للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والحق يقال أنه لا ينبغي التردد في تكذيب نسبة هذه القصيدة إلى أبي بكر وأنه قال شعراً في الإسلام حتى مات تصديقاً للصديقة رضي الله عنها وهي أعلم بحال أبيها. وإن كان قال شعراً أو لم يقل. مع أنه لو قال شيئاً من الشعر فلا أشك أنه لا يخفى عليها لما علم من حفظها للشعر وروايتها له. أخرج ابن عبد البر في الاستيعاب عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه قال: "ما رأيت أحداً أروى للشعر من عروة فقيل له ما أرواك يا أبا عبد الله؟ قال: "وما روايتي من رواية عائشة ما كان ينزل بها شيء إلا أنشدت فيه شعراً". هذا مع أن القصيدة نفسها تكاد تنطق بالتكذيب لما هو واضح عليها من الصناعة والتكلُّف حتى إنني لأكاد أقول إن منتحلها وضع القاموس أمامه لو كان وجد في زمنه فنقب فيه عن (الأثائث) و (الرثائث) و (البنائث) وغير ذلك من الكلمات الثقيلة. والقصيدة كلها في ثقل هذه الكلمات ولو قارنت بينها وبين ما صحت نسبته من الشعر للصحابة لرأيت بوناً شاسعاً فشعر الصحابة خفيف سلس رقيق لا تعمُّق فيه ولا تصنُّع ولا تكلُّّف... في الغالب الكثير، لأنهم لا يشتغلون بالشعر صناعة وهواية إنما ينطقون به على سجيَّتهم من غير تفرُّغ له.. اللهم إلا ما يكون من حسان رضي الله عنه فإنه شاعر مشهور في الجاهلية والإسلام.

وقد عجبت للشعبي فيما نقله عنه ابن عبد البر كيف يقول: "كان أبو بكر شاعراً وكان عمر شاعراً وكان علي أشعر الثلاثة" [١٣] .

أكان رحمه الله يرد كلام عائشة في أبيها أم لم يسمع هذا الحديث منها ولم يبلغه عنها.. أم تراه فهم من كلام عائشة أنه كان شاعراً ولم يقل بيت شعر بعد أن أسلم؟ قال ابن عبد البر: "وذكر الأموي عن أبيه عن ابن إسحاق قال: "قال أبو بكر رضي الله عنه في مسطح:

من الكلام ولم تتبع بها طمعا

يا عوف ويحك هلا قلت عارفة

ولم تكن قاطعاً يا عوف منقطعا

وأدركتك حياء معشر أنف

ولا تقول ولو عاينته قذعا