للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأشرقت الأرض بهذا العلم وهذا النور وهذه المعرفة، وثاب من شاء الله هدايته من الناس إلى ربهم، يعبدونه ويشكرونه، بعد أن عرفوه المعرفة الصحيحة، وآمنوا به الإيمان الصحيح، وخلعوا عنهم ضلالات الجاهلية وسخافاتها، واستمر هذا الحال بأمة الإسلام دهراً، إلى أن دب إليهم الداء الدوي، والشر المستطير، ألا وهو الإعراض عن الوحي، والإعجاب بالآراء والأهواء، فإذا بالطريق مطروق، والبضاعة موجودة، ألا وهي مقولات الفلاسفة، فتلقفها من المسلمين رديء الحظ، سيء النظر، ممن جهل ربه، وجهل دينه على تفاوت بينهم في مقدار الأخذ منها، فمنهم من استبدل الخبيث بالطيب، فأقصى وحي الله عز وجل، وأخذ بزبالة الأذهان، وحثالة المقولات، وجعلها أصلاً، ولم يقم لغيرها من وحي الله ونوره وزناً، وهؤلاء هم من يسمون (فلاسفة المسلمين) ويدخل فيهم الباطنيون وفلاسفة الصوفية أصحاب وحدة الوجود.

ومن المسلمين من أخذ بشيء من الفلسفة وترك شيئاً، فكان ما أخذه شر أقواله، وأخبث مقولاته، وهدم به ما قابله من نور الله ووحيه، وهؤلاء هم (المتكلمون) من الجهمية، والمعتزلة، والأشعرية، والماتريدية، الذين أقاموا معرفتهم بالله عز وجل على قواعد فلسفية، مما ظنوا أنه لا يتعارض مع وحي الله وشرعه، وراحوا يحاولون التلفيق بين الوحي المنزل، وشرعة الفلاسفة وأنى يلتقيان:

ذهبت مشرقة وذهبت مغرباً شتان بين مشرق ومغرب

فصاروا لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، إلا أنهم أسعد حالاً من سابقيهم، بما عندهم من الوحي والشرع.