للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأخرج الإمام أحمد (١) بسنده عن ابن عباس رضي الله عنه مرفوعاً: "إن الله أخذ الميثاق من ظهر آدم بنعمان ـ يعني بعرفة ـ فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها، فنثرهم بين يديه كالذر، ثم كلمهم قبلاً قال: ألست بربكم قالوا: بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين " (٢) .

وكذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كمثل البهيمة تنتج البهيمة هل ترى فيها من جدعاء " (٣) .

وحديث عياض بن حمار المجاشعي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم في خطبته: "ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا: كل مال نحلته عبداً حلال، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا ... " (٤) الحديث.

فهذه الأدلة تدل على أن الخلق مفطورون على الإقرار بالخالق.

ولا شك أن ذلك من رحمة الله تعالى بخلقه ولطفه بهم، إذ غرس فيهم الإقرار بربوبيته، ولذلك فوائد عظيمة، من أهمها: أن عبادة الله تعالى لا تتم إلا بالإقرار بربوبية الله.


(١) أحمد بن حنبل، إمام الحنابلة والمحدثين، ناصر الإسلام والسنة. كان الإمام الشافعي يجله ويثني عليه ثناءً حسناً، وكان من أصحابه وخواصه. توفي رحمه الله سنة ٢٤١هـ. انظر: مختصر طبقات الحنابلة ص٧-١٧.
(٢) مسند الإمام أحمد (١/٢٧٢) ، وذكر ابن كثير في تفسيره (٢/٢٤١) روايات عديدة في هذا المعنى ورجح وقفها على ابن عباس رضي الله عنه.
(٣) متفق عليه: أخرجه البخاري كتاب الجنائز، انظر: فتح الباري (٣/٢٤٦) .وهو في مواضع كثيرة من صحيح البخاري، ومسلم ٤/٢٠٤٧. كتاب القدر، باب معنى كل مولود يولد على الفطرة، رقم ٢٦٥٨.
(٤) أخرجه مسلم كتاب الجنة، باب ١٦ (٤/٢١٩٧) ، وأحمد (٤/١٦٢) .