للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

"النظر في مآلات الأفعال معتبر مقصود شرعاً كانت الأفعال موافقة أو مخالفة وذلك أن المجتهد لا يحكم على فعل من الأفعال الصادرة عن المكلفين بالإقدام أو بالإحجام إلا بعد نظره إلى ما يؤول إليه ذلك الفعل، [فقد يكون] مشروعاً لمصلحة فيه تستجلب، أو لمفسدة تدرأ، ولكن له مآل على خلاف ما قصد فيه، وقد يكون غير مشروع لمفسدة تنشأ عنه أو مصلحة تندفع به، ولكن له مآل على خلاف ذلك. فإذا أطلق القول في الأول بالمشروعية، فربما أدى استجلاب المصلحة فيه إلى مفسدة تساوي المصلحة أو تزيد عليها، فيكون هذا مانعاً من إطلاق القول بالمشروعية وكذلك إذا أطلق القول في الثاني بعدم المشروعية ربما أدى استدفاع المفسدة إلى مفسدة تساوي أو تزيد، فلا يصح إطلاق القول بعدم المشروعية، وهو مجال للمجتهد صعب المورد، إلا أنه عذب المذاق، محمود الغب (١) جار على مقاصد الشريعة".

ثم أخذ رحمه الله يستدل على صحة ذلك بأمور، منها: أن استقراء الشريعة وأدلتها يدل على اعتبار المآلات، وذكر أمثلة تفصيلية كامتناعه صلى الله عليه وسلم عن قتل المنافقين، فقد قال - حين أشير عليه بقتل من ظهر نفاقه -: "لا يتحدث الناس أنه كان يقتل أصحابه" (٢) فينفروا من الدخول في الإسلام. ثم قال الشاطبي: "... يكون العمل في الأصل مشروعاً، لكن يُنهى عنه لما يؤول إليه من المفسدة...".


(١) أي: العاقبة.
(٢) رواه البخاري، كتاب المناقب، باب ما ينهى من دعوى الجاهلية ٦/٥٤٦ وفي التفسير، باب قوله: (سواء عليهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم) ٨/ ٦٤٨.