للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في هذا المثل يعرض لنا القرآن مشهدا حيّاً يرمز به إلى الحالة النفسية. هذا المشهد الكلي بما يرسمه من ألوان وما يشيع فيه من حركات وما يصحبه من أهوال وظلمات ليتفق تماما مع حياة المنافقين ويصور واقعهم النفسي وتقلُّبهم بين الكفر والإيمان والهدى والظلال، وارتباطهم العضوي بشياطينهم وخداعهم لجماعة المؤمنين ويصور التناقض بين ما تقول ألسنتهم وما تضمر قلوبهم والاضطراب في حركاتهم متمثلا في التجائهم إلى النور ثم رجوعهم إلى الكفر ويا ليتهم يثبتون في منطقة ضوء الإيمان إذن لسعدوا بحلاوة اليقين، ولكن هذا التقلب المؤسف بين ظلمات الكفر وأنوار الإيمان هو الذي قادهم إلى مصيرهم الفاجع الأليم.

إنه تصوير كلي رائع ينطوي - بلغة العصر الحديث - على الحياة والحس والحركة واللون وينسجم تماما مع أجواء النفاق ومظاهره المتقلبة المضطربة ويصف عالمهم الباطني والنفسي الذي يبلغ من الحيرة والتردد والروع والفزع حدا يجعلهم يضعون الأصابع في الآذان.

دقق البصر في قوله سبحانه: {كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ} أليس هذا الوصف تعبيرا عن الأطماع التي تحركهم فهم يمشون كلما برقت لهم آمال مصالحهم، ويسيرون كلما لاحت أمامهم فرصة، فإذا انقطع المطمع وأظلمت الآفاق في وجوههم جلسوا متربصين.

أي أن هذه الفئات نفعية تقودها مصالحها وشهواتها فإذا لاحت في الأفق فرصة انتهزوها وهكذا يعيشون في جو مطامعهم المتقلبة ومن هنا وجب الحذر منهم وقطع السبيل عليهم كلما حاولوا أن يجتذبوا منافع المجتمع إلى أنفسهم.


[١] هذا جزء من حديث طويل رواه مسلم عن عبد الله بن مسعود (راجع صحيح مسلم مع شرح النواوي طبع مصر جزء٢ ص ٨٨-٨٩) .
[٢] سورة الأعراف آية (٣٢)
[٣] سورة الأعراف آية (٣١)
[٤] سورة آل عمران آية (٣٤)