ومن ينظر في شريعة الإسلام يجدها كافية وافية شافية، جاءت بما فيه كمال الروح والبدن وصلاح الفرد والأمة وهناء العالم بأسره فأقامت البرهان على أن الإسلام دين إنساني عالمي واقعي نزل من السماء ليحكم الأرض وليملأها عدلا وسلاما، ومحبة ووئاما، ورخاء ورفاهية ولأن الإسلام دين واقعي التزم في كل ما شرعه أن يلائم طاقة الإنسان، ويناسب مقدرته فلا يكلفه شططا، ولا يرهقه عسرا، ولا يطلب منه ما يحرجه أو يشق عليه قال تعالى:{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}[٨] وقال: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلا وُسْعَهَا}[٩] وقال: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفاً}[١٠] وقال: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[١١]
وتمشيا مع واقع الإنسان، وتقديرا لظروفه، ومسايرة لطبيعته وخصائصه اهتم الإسلام بشئون دنياه كما اهتم بشؤون أخراه، فلم يفرض عليه أن يعتزل الناس، وينقطع لعبادة الله ويهمل أمر نفسه، ويغفل مطالبه الجسمية، وغرائزه النفسية. كلا، فقد سمح له بأن ينال حظه من العاجلة، ويستجيب لغرائزه، ويسَّر له الطريق في غير إفراط ولا تفريط، وهيأ له السبيل في حدود الاعتدال والكمال، وفي كتاب الله تقدير وتكريم لمن يقول:{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}[١٢] لم ينكر الله عليهم أن يطلبوا الدنيا، وكذلك لم ينكر عليهم أن يقدموها في الطلب على الآخرة.