يقول ابن باديس: لما قفلنا من الحجاز وحللنا بقسنطينة عام ١٣٣٢ وعزمنا على القيام بالتدريس، أدخلنا في برنامجنا دروسا لتعليم اللغة العربية وآدابها، والتفسير والحديث والأصول ومبادئ التاريخ والجغرافية والحساب وغيرها، ورأينا لزوم تقسيم المتعلمين إلى طبقات، واخترنا للطبقة الصغرى منهم بعض الكتب الابتدائية التي وضعتها وزارة المعارف المصرية، وأحدثنا تغييرا في أسلوب التعليم، وأخذنا نحث على تعلم جميع العلوم باللسان العربي والفرنسي، وتحبيب الناس في فهم القرآن، وندعو الطلبة إلى الفكر والنظر في الفروع الفقهية، والعمل على ربطها بأدلتها الشرعية، ونرغبهم في مطالعة كتب الأقدمين، ومؤلفات المعاصرين [٣] .
وكانت دروس ابن باديس تبدأ بعد صلاة الفجر، وتستمر طيلة النهار، لا يقطعها إلا فترة ساعة بعد صلاة الظهر يتناول فيها غداءه ويعود إلى عمله في تعليم الصغار حتى صلاة العصر، وبعد العصر يقوم بتعليم الشباب إلى المغرب، وبين العشاءين يقوم بالتدريس للكهول والشيوخ حيث تستمر دروسه إلى نحو منتصف الليل.
وفي دروسه للعامة كان يحرص على العبارات الفصيحة السهلة، وعن طريق التدريس والوعظ استطاع ابن باديس أن ينشر الفصحى بين العوام، وأن يرتفع بهم إلى إجادة اللغة العربية رغم أمية أكثرهم، وعن هذا الطريق استطاع المحافظة على اللغة العربية عند كثير من أبناء الجزائر، وكانت فرنسا تحارب اللغة العربية بكل وسيلة وتحل محلها لغتها الفرنسية.
وقد امتد نشاط ابن باديس إلى المدن الجزائرية الأخرى فكانت له دروس في مدينة الجزائر العاصمة، وفي مدينتي وهران وتلمسان إذ كان يسافر إلى هذه المدن كل أسبوع على بعد الشقة وطول المسافة فيلقي فيها دروسه في التفسير.