ولهذا ولما نراه في عصرنا ونشاهده مما أحاط بالمجتمعات الإسلامية من كيد أعدائها حتى سلب منها مقوماتها الإسلامية وأصبحت أشباحا لا روح فيها ولا قوة لها يحركها أعداؤها كما يشاؤون، كان لابد من أن يستجاب أمر الله في هذه الآية بإقامة جماعة ذات سلطان قوي في كل دولة مسلمة ولها مندبون في كل مدينة وقرية تأمر فتطاع، وتنهى عن المنكر، وتنفذ حدود الله على من ارتكبوا المنكرات، وبدون تنفيذ حدود الله القتل للقاتل، والرجم للزاني المحصن، وقطع يد السارق، والجلد والسجن والتعزير لكل من ارتكب موجب ذلك، لأن قيام هذه الجماعة هو لحماية المسلمين من أن تغتالهم شياطين الإنس والجن، ولتصون التقاليد الإسلامية والتعاليم الشرعية عند المسلمين فيستقر الخير والعدل في حياة الأمة، وينعدم الشر والظلم فيها وتسد الطريق على كل صاحب هوى أو شهوة أو مصلحة يدعي أنه يعرف الخير والصواب.
إن قيام هذه الجماعة ضروري لفلاح الأمة وصلاحها، ألم يكن المعروف فيه الخير والفضيلة والحق والعدل، والمنكر فيه الشر والرذيلة والباطل والظلم، فأي المجتمعين أفضل وأنفع في الحياة الدنيا والآخرة، مجتمع الخير والفضيلة والحق والعدل أم مجتمع الشر والرذيلة والباطل والظلم، وهل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور.
لقد كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبا في الأمم المتقدمة، ولما أهملوا أمر الله ذلوا ولعنوا على لسان أنبياء الله ورسله كما قال تعالى:{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} .