فقد زعم النساك من قدماء أهل الهند أن ترك الدنيا والزهد فيها هو الطريق الوحيد الذي يهذب النفس ويزكيها ويرفعها إلى الملأ الأعلى، فتركوا العمل والتزموا الجوع والعري، واعتزلوا الناس واستوحشوا منهم وسكنوا القفار مع الوحش وهجروا الأمصار وأطالوا الفكرة، وكانت أفكارهم عقيمة، نتائجها سلبية، فمنها القول بتناسخ الأرواح، وحاصله أن الأرواح محدودة لا تزيد ولا تنقص، سواء في ذلك أرواح الحيوان الناطق وأرواح الحيوان الأعجم، فمتى مات موجود حي انقلبت روحه من ذلك الجسم الفاني إلى جسم ناشئ يولد ساعة خروجها من الجسم الفاني، فكأنهما كانا على ميعاد، ولما رأوا أن العدالة الربانية التي عليها تقوم السموات والأرض والتي هي مقتضى حكمة الله وعلمه وقدرته، فكروا كيف يكون هذا الجزاء، فلم يجدوا حلا للمعضلة إلا أن يدّعو دعوى خيالية أخرى، وهي أن جزاء كل حياة من الحيوات التي يحياها الإنسان ويعبر عنها بالتجسدات تترقى فيها الروح في الدرجات العليا، أو تهبط إلى الدركات السفلى، على حسب عملها، فإن عملت في الحياة الأولى أي التجسد الأول عملا صالحا بحسن معاملتها للإنسان والحيوان، وتجنبت السيئات والآثام تنتقل بعد فناء جسمها إلى طبقة من طبقات البشر هي أجل وأعلى من الطبقة التي كانت فيها جزاء حسنا ومثوبة على عملها الصالح في الحياة المتقدمة وتفوز برضوان الآلهة، وإن اقترفت السيئات وخرجت عن شريعة الآلهة تعاقب في حياتها التالية بأن ترجع إلى الدنيا في جسم من طبقة منحطة حقيرة، وإن استمرت في ارتكاب الموبقات يستمر عقابها حتى تصل إلى دركة المنبوذين، وإن زادت في غيها تنحط حتى ترجع إلى الدنيا في جسم حيوان شريف كالفرس مثلا، فإن لم تنته عن جرائمها ترجع إلى الدنيا في جسم حيوان حقير، وهكذا دواليك حتى تصل إلى دركة الفيران، وربما انحطت إلى دركة الخنافس.