والطبقات عند الهنادك كثيرة، أعلاها طبقة البراهمة، فهؤلاء يولدون مقدسين من بطون أمهاتهم، وكل ما عملوه فهو حق، لا تكتب عليهم سيئة واحدة طول أعمارهم، وإذا ماتوا تلتحق أرواحهم بالملأ الأعلى، وليت شعري إذا كان عدد الأرواح محدودا فمن أين يجيء المدد الذي يخلف الطبقة العليا التي لا ترجع إلى الدنيا، وأسفل الطبقات طبقة المنبوذين، ولا يجوز أن تخالط طبقة عالية طبقة أخرى أسفل منها، فلا تؤاكلها ولا تشاربها ولا تجالسها ولا يجمعهما معبد واحد، فكل طبقة لها معابدها، ولا يجوز للطبقة السفلى أن تتزوج بأفراد الطبقة العليا، ولا أن تأكل أو تشرب في آنيتها، ولا أن تمس طعامها، والمسلم عندهم يعتبر نجسا إذا مس طعاما تنجس ذلك الطعام، وأذكر أني كنت متجولا في أسواق دلهي عاصمة الهند في أول سفرة سافرتها إلى الهند، فرأيت في حانوت كوما من الزبيب الذي ليس له نوى ويسمى عندهم (كشمش) ، فأهويت بيدي لألمس ذلك الزبيب، وقبل أن تصل يدي إليه جذبت من خلفي جذبة قوية حتى سقطت على ظهري، فقمت وسألت الطالب الذي كان يرافقني من جذبني؟ فقال لي: أنا جذبتك خوفا عليك من أن تقع في مشكلة عويصة يعسر عليك حلها، انظر إلى صاحب الحانوت فهو غضبان يصيح ويشتم، ولو وقعت يدك عليه لألزمك بثمنه كله، وكنت مرة في مدينة بمبي وهي مدينة مشهورة بناحية كجرات، وكان الوقت ليلا فرأيت قلة منتصبة فلمستها بيدي فغضب صاحبها وصاح صياحا كثيرا ورأيته أخذ القلة وصب الماء الذي كان فيها مع أني لم ألمس إلا جانبها، ولا أدري هل كسرها أو انتفع بها بعد غسلها، ومما يدل على الأول أن المتصدقين بالماء البارد من الهنادك في محطات السكة الحديدية يعدون آنية صغيرة بقدر ما يشرب الشخص الواحد من الخزف ويصبون الماء فيها لكل من يحتاج إليه من غير أهل طبقتهم، ومن شرب في إناء منها إن شاء أخذه، وإن لم يرده ألقاه لأن ذلك الهندكي لا يمسه بعد ذلك، فإن انقضت تلك الأواني وجاءه شخص من غير أهل