لقد جعل الله الفرد مسئولا شخصيا عن حراسة نفسه، عن الإضرار بأمته، ومسئولا عن حراسة الأمة في بيئته مسئولا عن عمله وإتقانه، والأمانة فيه، مسئولا عن محاربة الجرائم الظاهرة والخفية وعن محاربة الاتجاهات الخبيثة التي تضر الأمة في حاضرها أو تؤذيها في مستقبلها، مسئولا عن كل ذلك مهما يلاقي في سبيله من مشقة ومتعبة، لأن الله جعله جنديا، ميّزه بالعقل وطالبه بالمحافظة على منطقته.
فإذا قام الفرد بواجبه على هذا النحو، ولم يجد تقديرا أو جزاءا من مجتمعه فلا يخشى بأسا ولا فواتا، فإنه إذا لم ينصفه أهل الأرض، فسوف لا يضيعه رب السماء، وإن عدالة الله أكرم من أن تضيع جزاء المعروف بين الله والناس، بل كلما تحمل الفرد شدة في جهاده ومشقة في إصلاح أمته، أعظم الله له الأجر، وكلما قل عدد المجاهدين ارتفعت درجاتهم، وزاد ثوابهم.
إن الرسول صلى الله عليه وسلم يبشر هؤلاء الذين يضيئون لغيرهم وسط الظلام السابغ، ويؤدون واجبهم في دوامة التحلل وشمول الفساد، ويتمسكون بالفضيلة ويعملون بها، وقد انصرف الناس عنها ويدعون إليها، وسهام السخرية تصوب إليهم من كل جانب، يبشرهم الرسول صلى الله عليه وسلم بمقدار ثوابهم فيقول "المتمسك بسنتي عند فساد أمتي له أجر شهيد ". رواه الطبراني عن أبي هريرة.
وإذا كان الفرد مسئولا عن مجتمعه الذي يعيش فيه، وعن أمته التي ينتسب إليها بمقدار ما أعطاه الله من ميزات وما منحه من عطايا وبمقدار ماله من تأثير مادي أو أدبي، فإنه كذلك مسئول عن نفسه ووقايتها من الآثام الخاصة والعامة ومسئول عن مملكته الصغيرة التي استرعاه الله إياها "إن الله سائل كل راع عما استرعاه حفظ أم ضيع "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته " ... الخ متفق عليه.