وفي هذه الأثناء كان المسلمون قد أوغلوا في البلاد حتى بلغوا مدينة (تور) وهناك وافتهم الأنباء الإفرنجية, ولكن أنى لهذه الجيوش أن ترهبهم, وقد ألفوا النصر عليها, واعتادوا قهرها بالغة ما بلغت من العدة والعديد؟!! فها أنهم يهاجمون مدينة (تور) ويفتحونها برأي ومسمع من مارتل وجنوده -كما يقول أحد المؤرخين العرب- ويستولون على ما فيها, ويضيفونها إلى ما كانوا يحملون من الغنائم الكثيرة والثقيلة.
وهنا يقف القائد الكبير عبد الرحمن الغافقي ويفكر في ظروف المعركة المقبلة التي لابد ناشبة بينه وبين عدوه المتربص, فيرى بثاقب بصره, وموفور خبرته العسكرية, أن هذه الغنائم الثقال ربما أضاعت على المسلمين الذين يلهون بها, ويحرصون عليها معركة من أعظم معارك الفاصلة في التاريخ, وما كان ليغيب على ذهنه الذي تمرس بالحروب, وعرف أصولها, أن النصر في معارك الحياة الفاصلة واللهو بالغنائم لا يجتمعان البتة, وأمامه التاريخ العسكري الإسلامي كله يشهد لهذه الحقيقة التي كانت تقلقه وتزعجه, ولكن ماذا يفعل؟! أيأمر جنده بتركها وهو يرى شدة حرصهم عليها ومبلغ افتتانهم بها؟! إنه يخشى أن يأمرهم فلا يطيبوا عن تركها نفسا, وربما سبب ذلك ظهور أوضاع في الجيش ما كان الوقت يتسع لمعالجتها, وهنا يغض الغافقي في كثير من الألم والتسليم نظره عن أمرهم بتركها [١] ويبقى على ثقته بشجاعتهم.