وها هما الجيشان يرابط أحدهما تجاه الآخر ثمانية أيام من شهر تشرين الأول سنة ٧٣٢م وقد أدرك كل منهما خطر المعركة, وقرر أن يرخص المهج في سبيل النصر على عدوه, ويبدأ المسلمون بإنشاب القتال, وتكون حرب قاسية طاحنة, وقد حاول المسلمون خرق صفوف الفرنجة ولكن دون جدوى, ويستمر القتال طول النهار حتى يحجز الظلام بين الفريقين, وفي اليوم التالي يتجدد القتال أعنف مما كان في يومه الأول, ويحمل العرب على أعدائهم حملات مستبسلة.. وهنا تلمع فكرة في رأس قادة الفرنجة مستوحاة من الكلمات التي كان يقولها لهم شارل مارتل, والتي ذكرناها آنفا, وهي مهاجمة غنائم المسلمين, ويسرحون فرقة بقيادة (أود) الذي سبق أن هزمه المسلمون حين لم تكن لديهم غنائم كثيرة يحرصون عليها.. وما إن رأى المسلمون غارة الفرنج على مخيمهم حتى طارت قلوبهم هلعا على الغنائم, وخوفا على المكاسب المادية الشخصية, وكم لهذه المكاسب من جنايات في حياتنا الخاصة والعامة في القديم والحديث!! ثم تركوا المصاف وانكفؤوا إلى المخيم ليحولوا دون استلاب الفرنجة ما فيه من المال والمتاع!! ويحاول عبد الرحمن رضي الله عنه رد المنكفئين, ولكن هيهات.. وفي هذه الأثناء يصيبه سهم من قبل الأعداء فيخر صريعا, ويسلم الروح إلى بارئها, بعد أن جاهد في سبيله حق الجهاد, ويدخل الاضطراب صفوف المسلمين وتضعف مقاومتهم أمام الفرنجة الذين لم يكن لديهم لحسن حظهم ولسوء حظنا غنائم يحرصون عليها!! ويخيم الظلام ويحول للمرة الثانية دون الاقتتال.. وتحت جنح الظلام ينسحب العرب وينحازون قاصدين معاقلهم في جبال البيرنية, وقد بلغ من سرعة انسحابهم أنهم تركوا خيامهم منصوبة, وغنائمهم التي جرت عليهم على أمتهم هذا المصير المؤسف مطروحة على الأرض.. وبعد هزيمة المنكرة يضري بهم العدو, ويشرئب إلى غزو بلادهم, ثم لا يلبث خلفاء شارل مارتل أن يجوسوا خلال الديار, ويدخلوا بعضهم في مملكاتهم, وهكذا تظهر سنة الله