تعالى في أن النصر في هذه الدنيا- هو- لمن استعلى عليها, وهونها على نفسه, ورحم الله خالدا إذ يقول:"أطلب الموت توهب لك الحياة", الحياة بمغانمها وأطايبيها جميعا!!
ويبدو للمسلمين في تاريخهم كله لم يغلوا من قلة, وإنما غلبوا نتيجة تعلقهم لما تهوى الأنفس من مال أو جاه أو متاع.. وها أن التاريخ يطالعنا بدليل آخر على هذه الحقيقة يسوقه لنا في شكل فاجعة لا تقل هَوْلاً عن فاجعة بلاط الشهداء إن في معناها أو في أثارها.. يقول التاريخ إن الدولة العثمانية كانت حتى القرن الثامن عشر دولة ذات شأن كبير, وكانت جارتها روسيا حتى عهد بطرس الأكبر (١٦٨٢-١٧٢٥) دولة همجية متأخرة, لا شأن لها إزاء الدولة العثمانية, ولكن ملكها أو قيصرها بطرس الأكبر الذي يعتبر موطد أركان القيصرية الروسية ومرسي دعائمها الحقيقي, قد قفز بها قفزات هائلة, ورسم لها سياسة خارجية بارعة تهدف إلى إضعاف جاراتها القويات إذ ذاك: السويد, وبولونيا, والدولة العثمانية, والتوسع على حسابهن جميعا, وكنتيجة لهذه السياسة, وبتحريض من شارل الثاني عشر ملك السويد الذي هزمه بطرس الأكبر فالتجأ إلى مدينة (بندر) العثمانية المسلمة, نشبت حرب مصيرية بين روسية ودولة بني عثمان, وقد استطاعت الجحافل العثمانية المسلمة البالغ عددها مائتي ألف بقيادة الوزير (بلطه جي محمد باشا) أن تحاصر الجيوش الروسية وعلى رأسها القيصر بطرس الأكبر وزوجته الداهية الجميلة الفتانة الإمبراطورة كاتريه الأولى التي كانت لا تفتأ ترافقه في الحروب, ولم يبق إلاّ أن تستسلم هذه الجيوش للعثمانيين ويقاد قيصرها وزوجته الإمبراطورة كاتريه إلى الأستانة, أسيرين صاغرين, وبذلك تزول روسية البطرسية كليا من العالم السياسي لتدخل ضمن حدود الدولة العثمانية المسلمة أو على الأقل تتأخر نهضتها, وتقيم على هجماتها أجيال عديدة!.