وقد بقي من يومئذ هذا الأمل مكنونا في نفوس المسلمين. ومضت الغزوات النبوية برية لم تخرج إلى البحر، ولم تعتد بلاد العرب. واستمر الأمل العزيز مكنونا كذلك، في خلافة الصديق رضي الله عنه إذ لم تزايل غزواته إلى الشام الطريق البري الذي ابتدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلكه بنفسه من تبوك.
حتى إذا أفضت الخلافة إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رضي الله عنه واتسعت الفتوح وتعددت مسالكها، بدأ الأمل المكنون يتطلع إلى البروز، فبدأ التردد، ثم ظهر الجدال، ثم آل الأمر إلى المحاولات.
وكذلك المعارضة الشديدة في ذلك، تبدو من أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه لشدة حذره على المسلمين، ولما كان يعلم من ضعف استعدادهم يومئذ بالنسبة إلى أعدائهم الذين كانت بيدهم أهم القواعد البحرية، فكان يرى من الجرأة المذمومة أن يغرر بالمسلمين تغريرا قد يحتمل سوء مغبته، وهو الراعي المسؤول، كما علل بذلك ابن خلدون.
أما الساعي لتحقيق فكرة الغزوات البحرية، فقد كان يضطلع بزعامته صحابيان جليلان من عمال سيدنا عمر، هما العلا بن الحضرمي، عامل البحرين، على المحيط الهندي، ومعاوية بن أبي سفيان، عامل الشام على البحر الأبيض المتوسط.
أما العلاء فقد جمع جنده من البحرين بدون إذن الخليفة، وعبر بهم البحر إلى شواطئ البلاد الفارسية، وقصد عاصمة الفرس، يومئذ وهي مدينة إصطخر، فكانت لهم مواقع عظيمة، أحرقت فيها سفن المسلمين، وحوصروا، وسدت عليهم مسالك الرجوع. وبلغ ذلك عمر رضي الله عنه فاشتد غضبه، وعزل العلاء، وأنجد الجيش المحصور بمدد من البصرة فك عنهم حصارهم، وخاض معارك جديدة حمدت آثارها.