وبهذا يتبين أن العلاء بن الحضرمي هو أول من ركب البحر غازيا في الإسلام وبذلك جزم المقريزي، إلا أن جمهور الأدباء والمؤرخين لا يعدونها في الأوليات فيقولون: أول من ركب البحر معاوية بن أبي سفيان، ولعل ضعف أثر هذه الغزوة، وخلوها عن إذن الخليفة هو الذي دعاهم إلى ذلك.
وأما معاوية فقد كان محل عمله بالشام منتهيا إلى حدود الروم، وكانت مملكة الروم الشرقية هي التي بقيت تناهض سطوة الإسلام، بعد القضاء على مملكة الفرس، في موقعة القادسية الحاسمة، وكانت عاصمة المملكة مدينة قسطنطينية قبلة أنظار العالم، بعد سقوط روما، فكان معاوية يلح على عمر رضي الله عنهما في غزوة بلاد الروم بحرا، ويذكر له قرب مواقع المسلمين من مواقع الروم. وإزاء هذا الإلحاح رأى أمير المؤمنين أن يوجد لديه شيئا يعتمد عليه للخروج من تردده، فكتب إلى عامله على مصر: عمرو بن العاص، يستوصفه البحر، فأجابه عمرو بكتابه المشهور، مؤكدا ما في نفس أمير المؤمنين من مخاوف. وعلى ذلك اعتمد عمرن ورفض إلحاح معاوية رفضا باتا، جاعلا له من قصة العلاء بن الحضرمي عبرة.
وسكت معاوية رضي الله عنه من إلحاحه بقية الخلافة العمرية، حتى إذا صارت الخلافة إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه، أعاد استئذانه فأعرض كما أعرض الخليفة من قبله. حتى إذا تكرر إلحاح معاوية أجابه: على شرط أن لا ينتخب الناس لذلك، ولا يقرع بينهم، ولكن يخيرهم فمن تطوع بالغزو في البحر وجهه.