وبهذه الصورة تكونت أول غزوة بحرية رسمية في الإسلام سنة ٢٨، وكانت وجهتهم الأولى جزيرة قبرص فتوجه إليها أسطول الشام، الذي جهزه معاوية بقيادة عامله على البحر عبد الله بن قيس الجاسي، وأسطول مصر بقيادة عبد الله بن أبي السرح، فاتح إفريقية. والتقى الأسطولان على قبرص فنصبا حصارا لم يرفع إلا بمعاهدة صلحية تضمنت إلزام أهل جزيرة قبرص بدفع جزية سنوية وإباحة طريقهم لقوات الإسلام إلى سواحل الروم، وإنذار المسلمين بكل خطر يتهددهم من الروم.
وكان ممن ركب البحر في هذه الغزوة عبادة بن الصامت، وزوجه أم حرام بنت ملحان رضي الله عنهما، وهي التي تلقت من النبي صلى الله عليه وسلم البشارة بغزو البحر وأنها من أول من ركبه، وفي هذه الغزوة استشهدت ودفنت بجزيرة قبرص، وضريحها معروف فيها إلى اليوم.
وبهذه الغزوة فتح للأسطولين الإسلاميين: أسطول مصر وأسطول الشام، طريق صولتهما بالبحر فكانت لهما مواقع مهمة كموقعة ذات الصواري التي انتصروا فيها على ملك الروم قسطنطين سنة ٣١ وفتح قبرص بعد انتقاض الهدنة سنة ٣٣ وحصار القسطنطينية سنة ٥٠ حتى أن عبد الله بن قيس الجاسي غزا بعد حصار قبرص، خمسين غزاة بحرية، صيفا وشتاء لم ينكب أسطوله ولم يغرق من جيشه أحد في البحر، حتى قتل شهيدا مغدورا في بعض استطلاعاته بشواطئ بلاد الروم.