الوجه الثاني: أنه إن اجتهد فإنه إنما يجتهد بوحي من الله يأذن له به في ذلك الاجتهاد وعليه فاجتهاده بوحي فلا منافاة. ويدل لهذا الوجه أن اجتهاده في الإذن للمتخلفين عن غزوة تبوك أذن الله له فيه حيث قال له فأذن لمن شئت منهم. فلما أذن للمنافقين عاتبه بقوله:{عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ} . فالاجتهاد في الحقيقة إنما هو في الإذن قبل التبين لا في مطلق الإذن للنص عليه. ومسألة اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم وعدمه من مسائل الخلاف المشهورة عند علماء الأصول وسبب اختلافهم هو تعارض هذه الآيات في ظاهر الأمر.
قال مقيده عفا الله عنه: الذي يظهر أن التحقيق في هذه المسألة أنه صلى الله عليه وسلم ربما فعل بعض المسائل من غير وحي في خصوص كإذنه للمتخلفين عن غزوة تبوك قبل أن يتبين صادقهم من كاذبهم وكأسرة لأسارى بدر وكأمره بترك تأبير النخل وكقوله: "لو استقبلت من أمري ما استدبرت" الحديث. .إلى غير ذلك. وإن معنى قوله تعالى:{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} لا إشكال فيه لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا ينطق بشيء من أجل الهوى ولا يتكلم بالهوى وقوله تعالى: {إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} يعني أن كل ما يبلغه عن الله فهو وحي من الله لا بهوى ولا بكذب ولا افتراء. والعلم عند الله تعالى.