وكل كتاب يبدأ بما يناسب الابتداء، ثم يقدم ما حقه التقديم، ويؤخر ما حقه التأخير، ثم تأتي الخاتمة، وكذلك الشعراء فإنهم لا ينشرون دواوينهم هكذا اعتباطا، وإنما يعمدون إلى القصائد التي يجمعها موضوع واحد، أو مناسبة ما فينشرونها في ديوان واحد تحت عنوان واحد، وليس هذا شأن العرب وحدهم، وإنما هو شأن البشرية كلها في الشرق والغرب، بل إن الشوكاني نفسه، شعر حينما استطرد في كلامه عن المناسبة أنّه خرج عن الموضوع الذي كان فيه وهو تفسيره لسورة البقرة، فاعتذر عن ذلك وقال:"إنما ذكرنا هذا البحث في هذا الموطن لأن الكلام هنا قد انتقل مع بني إسرائيل بعد أن كان قبله مع أبي البشر آدم عليه السلام". فهو يريد بذلك أن يبين للقارئ مناسبة هذا الكلام الذي انْجرّ إليه، حتى لا يلام على ذلك، وهذا دليل على أن الإنسان لا يمكن أبدا أن يتخلى عن المناسبة، أو أن يُغفلها في كلامه أو كتابته فإذا كان كلام البشر خلوا من المناسبة فلا شك أنه عيب في الكلام، ونقص في صاحبه فكيف بكلام الله تعالى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه والذي لا ريب فيه هدىً للمتقين.