للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأول:

وهو أقوى الأسباب: تبرئة كلام الله عن كل عيب وشين. ولا شك أنه ظاهر النظام والترتيب في كثير من المواضع، ولكنهم لو ادعوا أن كله منظم، -والنظم مرعي فيه - لاضطروا في مواضع إلى القول بعدمه وذلك لغموضه ودقته، فتركوا هذا المسلك، ولم يحولوه إلى قصور أفهامهم، فإن منها ما وجدوه خلاف أصول النظم، وتيقنوا أنه لا يمكن فيه تصور نظم ما. كما ترى في آية: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} - البقرة:٢٣٨- فإن هذه الآية واقعة بين ذكر متصل لأمور النساء، ثم بعدها يرجع إلى الذكر الأول، ولولا هذه الآية لكان البيان على غاية الاتصال.

ومن بيّن مناسبة هذه الآية، لم يأت بما يتقبله من رزق شيئا من الإنصاف ويستمع القول فيتبع أحسنه.

ومن الذين يؤمنون بوجود النظام من نسب ذلك إلى عجز فهمه. وذلك هو المسلك الأحوط وقد كشف لنا غطاؤه بعد سنين، فالحمد لله رب العالمين {وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} الأعراف: ٤٣.

الثاني:

ليس دون الأول، ولكن الأول يتعلق بالمصنفين، والثاني يتعلق بالناظرين في كلامهم.

وهو أكثر من ذهب إلى وجود النظم كالإمام الرازي - رحمه الله - قنع في هذا الأمر الصعب بما هو أوهى من نسج العنكبوت، مع سبقه الظاهر في العلوم النظرية والذكاء.

فمن نظر في كلامه تيقن بأن النظم لو كان كما يدعيه هذا الإمام المتبحر وأمثاله، لما خفي عليه مع خوضه فيه، وإذ لا يأتي هو ولا غيره إلا بكل ضعيف، فلا مطمح فيه لأحد بعد هؤلاء، فإما بقي على قوله بوجود النظم، ولكن يئس من علمه وأغلق بابه، فإن سمع أحدا يدعوه إليه لم يسمعه. وإما صار إلى الرأي الذي ظنه أسلم، وهو أن القرآن إنما نزل منجما مفرقا، فلا يطلب فيه نظام.

الثالث: