للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إكثار الوجوه في التأويل، وإكثار الجدل وقال وقيل، وذلك بأن النظم إنّما يجري على وحدة، فبحسب ما تكثر الوجوه، يتعذر استنباط النظام. فمن نظر في هذه الوجوه المتناقضة والأقاويل المتشاكسة تحَيّر، لا يدري ماذا يختار منها؟ وأصبح في حجب من النّظم الذي يجري من كل جملة في وجه واحد كمن سلك طريقا يصادف في كل غلوة طرقا شتّى.

ولما كان ذلك - ولأسباب أُخر شرطنا أن نقنع بوجه واحد صحيح ظاهر ينتظم به الكلام، ولم نجده إلا أحسنها تأويلا، وأبلغها بيانا - وهذا مبسوط في موضعه وإنما ذكرناه هنا من جهة أن إكثار الوجوه من أكبر الحجب على فهم النظام، بل عدم التمسك بالنظام هو أكبر سبب للولوع بكثرة التأويل، فإن النّظم هو الذي يوجهك إلى الوجه الصحيح والسلف رحمهم الله لم يجمعوا وجوها بل كل منهم ذهب إلى أمر في كل علم إذا كثرت الكتب ودون العلم، وسهل الطريق فيحرصون على التبحر ويرفضون الرسوخ والتحقيق في فن واحد، فيحسبون تكثير الأقاويل والمذاهب علما وهم خِلْوٌ عنه كما قيل: طَلَبُ الكل فَوْتُ الكل.

فمن اشتغل بالتفسير وجده بحرا متلاطما من الأقوال، وحفظه هذه الأقاويل يمنعه عن مسلك النظام من جهة نفاد فرصته ومنته، ومن جهة أن النظام قد خفي وضل عنه في شتات الوجوه الكثيرة بل لو رفض هذه الكتب كلها وأخذ طريق السلف رحمهم الله فتدبر القرآن والتمس المطابقة بينه، وبين السنة الثابتة لكان أقرب إلى معرفة النظام وصحيح التأويل.

الرابع: