ولنضرب مثلا يتضح به الحب الصحيح من الكاذب هناك زعيم مخلص متفان فيما ينفع أتباعه صادق اللهجة لم يجرب عليه كذب له أتباع فريق منهم سهل الانقياد سريع الاستجابة لا يتلكأ ولا يتلعثم عند أمر أو نهي لا يأمره ذلك الزعيم بأمر إلا بادر وسارع إلى تنفيذه ولا ينهاه عن شيء إلا كان أشد الناس ابتعادا عنه ولا يخبره بخبر إلا أصاب موضع اليقين من قلبه ولا يفعل فعلا إلا أتسم به ورأى أنه القدوة الحسنة.
وفريق آخر يمتاز بالمبالغة والتهويل في تمجيد ذلك الرئيس رغم أنه يكره هذه المبالغات وهذا الغلو أشد الكراهية عرف ذلك من أقواله وأفعاله المتواترة وتصريحاته القوية وتعليماته. ومبادؤه قائمة على أساس محاربة هذا اللون من الانحراف والإتيان عليه من القواعد ورغم كل ذلك يصر هذا الفريق على موقفه ويمعن فيه غير أنه بجانب هذا الغلو يمتاز بأسلوب آخر وهو أن أوامر هذا الرئيس وزواجره وتوجيهاته لا يذعن لها هذا الفريق ويروغ عنها روغان الثعلب فإذا قال افعلوا هذا الأمر واتركوا ذاك والأمر الفلاني واقعه كذا قالوا والله يا سيادة الرئيس أمرك هذا لا يوافق مزاجنا وليس عندنا نشاط ولا استعداد لتنفيذه ويمكن إن نفذناه أن نواجه مشاكل لأنه لا يتفق مع رأي فلان ولا يناسب مزاج علان ونهيك ندخله في خبر كان وخبرك فيه سطحية وسذاجة لا بد له من ميزان، وعلى كل حال أحسن رأي عندنا أننا نمدحك ونطريك ولو كان الغلو والإطراء أبغض شيء إليك، ثم ضربوا بتعليماته السديدة وتوجيهاته الرشيدة عرض الحائط فخالفوا أوامره ونواهيه، وحرفوا أخباره وتأولوها كما أملت عليهم أهواؤهم ولم يقفوا عند هذا الحد بل صبوا جام غضبهم على الفريق الطائع المنقاد وأوسعوهم لوما وتجريحا واحتقارا وسخرية ووجهوا إليهم الشتائم والمطاعن ورموهم بالدواهي من المفتريات فأي الفريقين أحق بذلك الزعيم وأقربهم إليه وأحبهم لديه لا يخفى ذلك على المنصف العاقل.