إذا تلمسنا تحديدا للفصل والوصل في الكتب التي تبحث في الأدب والبلاغة والتي تمثل أدوار نشأة البحث البلاغي كالبيان والتبيين للجاحظ، وقواعد الشعر لثعلب والبديع لابن المعتز فإننا لا نظفر بشيء، ومن الممكن أن نقف على تعريف بدائي له عند أبي هلال العسكري في الصناعتين، فقد اهتم به وعد معرفته معرفة للبلاغة كلها وبين مدى ضرورة الكاتب والخطيب والشاعر إلى معرفة مواضع كل من الفصل والوصل إلا أنه درسه دراسة أدبية لا أثر فيها للتنظيم والتحديد والتعريف ومع ذلك كله يمكن أن نستخلص من خلال ما ذكره المقاييس البلاغية التي تخص الفصلة والوصل فمن ذلك ما أورده عن أكثم بن صيفي أنه إذا كاتب ملوك الجاهلية يقول لكتابه "أفصلوا بين كل معنى منقض وصلوا إذا كان الكلام معجونا بعضه ببعض"[٤] ، وما أورده عن الحارث بن شمر الغساني إذ يقول لكاتبه:"إذا نزع بك الكلام إلى الابتداء بمعنى غير ما أنت فيه فافصل بينه وبين تبعيته من الألفاظ فإنك إن مذقت ألفاظك بغير ما يحسن أن تمذق نفرت القلوب عن وعيها وملته الأسماع واستثقلته الرواة"[٥] وحينما نتفحص قول أكثم والحارث على ضوء المقاييس التي وضعها البلاغيون بعده نجد أنها تقترب مما يقررونه في باب الفصل والوصل، أو لم يقرروا بأن التباين التام باختلاف الجملتين خبرا وإنشاء أو عدم وجود التناسب بينهما مما يوجب الفصل حسب ما هو معروف فيما سموه (كمال الانقطاع) ، وهناك لفتة وردت في قول أكثم تشعر بوصل أجزاء الكلام إذا كان معجونا بعضه ببعض، وهذه اللفتة تتفق مع ما قرره البلاغيون فيما بعد من وجوب الوصل إذا قصد اشتراك الجملتين في الحكم الإعرابي أو إذا اتفقا خبرا وإنشاء وكانت بينهما مناسبة ولنتخطى أبا هلال إلى الجرجاني لنجد أنه وضع معالم بحث الفصل والوصل بقوله: "اعلم أن العلم بما ينبغي أن يصنع في الجملة من عطف بعضها على بعض أو ترك العطف فيها والمجيء بها منثورة تستأنف واحدة منها بعد أخرى من