أسرار البلاغة" [٦] وننتقل إلى السكاكي فنجده يعرفه بقوله "ومدار الفصل والوصل هو ترك العطف وذكره على هذه الجهات وكذا طي الجمل عن البين ولا طيها" [٧] ثم جاء ملخصوا المفتاح وشراح التلخيص وكلهم يدورون حول تعريف واحد هو: "أن الوصل عطف بعض الجمل على بعض والفصل تركه"وقد استفاض شراح التلخيص في التعليق على هذا التعريف وتوضيحه.
٣- مادة الفصل والوصل:
من خلال دراستنا لتاريخ البلاغة العربية نجد أن ثمة مؤلفات أولية تمثل أدوار النشأة الأولى للبلاغة العربية من مثل قواعد الشعر لثعلب، والبديع لابن المعتز، ومجاز القرآن لأبي عبيدة ونقد الشعر لقدامة وغيرها من الكتب التي تعني بجمع النصوص الأدبية والشوارد اللغوية كالبيان والتبيين للجاحظ والكامل للمبرد، ولو قلبنا صفحات تلك الكتب وسبرنا أغوارها فإننا لا نتمكن من العثور على شيء ذي بال يتعلق بمباحث الفصل والوصل بل إن بعضها يخلو تماما من مجرد الإشارة إليه، ولعل الجاحظ فيما يبدو لي يعتبر أول من أشار إلى الفصل والوصل في كتابه البيان والتبيين حينما نقل عن الفارسي قوله: "إن البلاغة معرفة الفصل والوصل"، ولم يزد على ذلك بمعنى أنه لم يحدثنا عنه أو لم يعطنا فكرة عن مباحثه، ويمكن القول أن أبا هلال العسكري هو أول من اعتنى بمبحث الفصل والوصل فقد أفرد له بابا في كتابه الصناعتين جمع فيه نصوصا وشواهد كثيرة تحث على مراعاة مواطن الفصل والوصل في الكلام والكتابة، وساق شواهد من الشعر والنثر على أحواله، فاستشهد لما سماه المأمون [٨] في قوله باسم المحلول والمعقود ووضح المقصود بالمحلول والمعقود بقوله: "هو إنك إذا ابتدأت مخاطبة ثم لم تنتبه إلى موضع التخلص مما عقدت عليه كلامك سمي الكلام معقودا وإذا شرحت المستور وأبنت عن الغرض المنزوع إليه سمي الكلام محلولا" [٩] واستشهد لما لم يبن موضع الفصل فيه وللمقطع الحسن في الشعر [١٠] ولجودة الفاصلة وحسن موقعها وتمكنها في