بعد هذه المقدمة البسيطة والتعريف بالكتاب وبمؤلفه فتعال معي أيها القارئ نرتع مع المؤلف في هذا الفصل وتحت هذا العنوان:(فراسة عمر بن الخطاب)
قتيل بالطريق العام!
حدّث الليث بن سعد بن عبد الرحمن [١]- الذي قال عنه الإمام الشافعي بأنه أفقه من الإمام مالك رضي الله عنه والذي عرض عليه المنصور أن يلي مصر فامتنع - قال: "خرج المصلون من فريضة الصبح متوجهين إلى أعمالهم ومنازلهم, فإذا على قارعة الطريق جثة شاب جميل الصورة مشرق المحيا أدعج العينين مستقيم الأطراف حسن الهندام, نظيف الثياب, مصاب بجرح قاتل مازالت الدماء تنزف منه! تولت شرطة المدينة التبليغ عن الحادثة للقاضي الأكبر الخليفة عمر بن خطاب رضي الله عنه فانتقل فوراً ليقف على الجثة بنفسه:
هوية القاتل:
اجتهد عمر في التعرف على شخصية القتيل وذهبت مساعيه أدراج الرياح, واجمع الجوار والعرفاء وأمناء الأسواق وأعوان الدرك وأهل المنازل الواقعة على حافتي الطريق المعثور فيها على الجثة واتفقت كلمتهم على أنهم لا يعرفون القتيل باسمه أو مسماه ووقع عرض الهالك في الميضاة القريبة, ودعي الواردون على المدينة حتى من الضواحي وأهل المتاجر ومروا به وأكدوا عدم التوصل لمعرفته.
عمر لم ييأس:
رغم هذا الغموض الذي يحف بالجريمة والمجرم, والذي مثاره جهل شخصية القتيل الشاب, فإن عمر رضي الله عنه لم ييأس من وضع يده على الأسرار المحيطة بالجناية وجعل يتوسل إلى الله ويدعوه أن يظفره بالقاتل, وبعد عام من الحادث وفي فجر يوم ذلك اليوم الذي اصطدم فيه الخارجون من المسجد الجامع بجثة الشاب القتيل, وفي نفس المكان الذي وجد فيه عثرت الشرطة على مولود حديث عهد بالوضع وهو قيد الحياة ويبدو عليه أنه خرج من أبويين جميلين في أول عهدهما بالإنجاب والامتزاج..