ويجمع المؤرخون على أنه صلى الله عليه وسلم كان راجح العقل، ثاقب الفكر، سديد الرأي، طاهر القلب، عظيم النفس، صافي الروح، نقي السريرة، كريم الخلق، عالي الهمة، يترفع عن السفاسف والنقائص، ويبتعد عن الدنايا والرذائل، وكان طول حياته حسن السمعة، نابه الذكر، معروفا بين قومه بالصدق والأمانة. والميل إلى حياة الجد، والبعد عن أماكن اللهو، والعزوف عن عبادة الأوثان. وهنا ينبغي أن نسأل أيمكن لهذا الذي عرف بالأمانة، واشتهر بالصدق فيما بين الناس أن يتجرأ على الكذب، وأن يكون أول من يتجرأ عليه، الإله الذي يدعو الناس إليه، ويرهبهم بعقابه، يخوفهم من عذابه، الإله الذي يسيطر على شعوره، ويمتلك كل أموره؟
كذلك ينبغي أن نسأل، ولماذا خرج على حكم البيئة، وللبيئة سلطانها وتأثيرها؟
لقد عاش أربعين سنة كاملة وسط قوم مغرقين في الجهالة، منهمكين في الضلالة فلم تنتقل إليه عدواهم ولم تصبه بلواهم، فنهج منهجا فذا لا يشبه منهجهم، وسلك مسلكا بريئا لا يتفق ومسلكهم، وفي جواب السؤال الأول يقضي علينا المنطق السليم أن نقول: إن محمد صلى الله عليه وسلم الذي كان يتحرى الصدق في أقواله وأخباره، ويتحاشى الكذب على الناس أربعين سنة لا يمكن أن يفتري على الله، ولا يمكن أن يجترئ على الكذب على مولاه.