للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي جواب السؤال الأخير لا مناص أن نقول: إن هناك قوة عليا كان لها – دون شك – سلطان عظيم على قلبه وحوك شديد في صدره، وأثر بالغ في نفسه، انمحى أمامها كل أثر للبيئة وصاحب هذه القوة هو الذي صنعه وصقله وهذبه وأدبه، وهو الذي طبعه على ما نشأ عليه من صفات كريمة، واتجاهات سليمة، {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [٣] {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [٤]

ومما يستوقف النظر، ويسترعي الانتباه،أنه صلى الله بدأ فجأة وبعد أربعين سنة يعلن أنه رسول من عند الله،ويتحمس في دعوته، لا يثنيه عنها وعد أو وعيد، ولا يصرفه عنها إغراء أو تهديد عرضوا عليه المال والملك، وآذوه وبالغوا في إيذائه،واضطهدوه وأسرفوا في اضطهاده ومع هذا ظل صابرا محتسبا، يؤمل الخير ويرجوه لنفسه ولاتباعه، وتحقق فعلا ما أمله ورجاه وكلل الله بالظفر مسعاه.

نعم. لقد مرت عليه أربعون سنة لا يخطر بباله، ولا يتطرق إلى ذهنه، ولا يجول بخاطره أن يمتن الله عليه بما امتن عليه به قال تعالى: {قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [٥] . {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ} [٦] {وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلاَّ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكَافِرِينَ} [٧]