مر عليه شرخ الشباب، وهو الوقت الذي تجيش فيه الصدور بالآمال والأماني فلم تبد منه كلمة فيها تلميح برسالة، أو إشارة لنبوة، وفي الوقت الذي تهدأ فيه النفوس الثائرة، وتسكن فيه الآمال الفائرة بدأ يعلن دعوة غيرت مجرى التاريخ أعلن أنه رسول الله، ورسالته لا تقتصر على العرب وحدهم، ولا على أهل عصره دون سواهم بل رسالته عامة، تشمل كل الذي في عهده، وكل الذي يجيئون من بعده.
ونبحث عن مفهوم هذه الدعوة، ويثير الانتباه أن الذي جاء بها أمي نشأ بين أميين مغرقين في الأمية لكن أول كلمة وجهت إليه، وأنزلت عليه كلمة (اقرأ) ، نعم. إن أول ما نزل عليه {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} . [١٠] " ونعجب بل يعجب هو لهذا الأمر ولكن دهشته تزول على الفور حين يحس بفيوضات من الله تحل به، ونفحات منه تتنزل على قلبه، وبعدها منح من مالك الملك وملك الملوك شهادة فخرية، رشحته بحق ليكون أستاذ البشرية، ومعلم الإنسانية، وهادي البرية، يرشدها إلى كل خير تحتاجه في حاضرها ومستقبلها، وصدق الله العظيم إذ يقول {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ}[١١]
هذه الدعوة التي جاء بها يجب أن نتعرف عليها، ونبحث عن هدفه منها، وقصده من تبليغها، ونبحث أيضا عن آثارها في نفوس الذي آمنوا بها وأخيرا نعرف ما حققته لهم من عز وظفر وسلام ووئام، وسيادة وسعادة.