والأمر لا يقف عند الكشف عن هذه العلاقة، فإذا ما تم الوصول إليها تستنبط بالقياس النتائج التي تفضي إليها. ثم يقع البحث عن صحة تلك النتائج ومطابقتها للواقع بالمشاهدة والتجربة. فإذا تحققت تلك النتائج على هذه الصفة كان دليلا على صحة تلك العلاقة علها تقبل التعديل أو التنقيح بما يجعل نتائجها القياسية متفقة والواقع. ورائد البحث في كل طور من هذه الأطوار المتعاقبة، إقرار الحقائق كما توجد دون ميل إلى نزعة من النزعات أو هوى من الأهواء. وأحيانا يستعان في الكشوف العلمية بالتمثيل.
فيهتدي على منوال القريب المعلوم إلى معرفة البعيد المجهول. وخلاصة لما ذكر، فإن عناصر البحث العلمي الحديث هي:
١- الاستقراء
٢- القياس
٣- التمثيل
ب- منهج ابن الهيثم في البحث:
يتضح منهج ابن الهيثم في البحث إجمالا من مقدمة كتابه (المناظر) . بين فيه بإيجاز الطريقة التي هداه تفكيره إلى أنها الطريقة المثلى في البحث، والتي اتبعها في بحوثه.. يقول ابن الهيثم:
".. ونبتدئ في البحث باستقراء الموجودات، وتصفح أحوال المبصرات وتمييز خواص الجزئيات، ونلتقط باستقراء ما يخص البصر في حال الأبصار، وما هو مطرد لا يتغير وظاهر لا يشتبه من كيفية الإحساس. ثم نرتقي في البحث والمقاييس على التدريج والترتيب مع انتقاد المقدمات والتحفظ في النتائج ونجعل غرضنا في جميع ما نستقريه ونتصفحه استعمال العدل لا اتباع الهوى ونتحرى في سائر ما نميزه وننتقده طلب الحق لا الميل مع الآراء"[٥] .
فابن الهيثم أخذ في بحوثه بالاستقراء والقياس، وعنى في البعض منها بالتمثيل وهي كما رأينا عناصر البحوث العلمية العصرية.. وابن الهيثم في هذا كله لم يسبق فرنسيس بيكون إلى طريقته الاستقرائية فحسب، بل سما عليه سموا كبيرا وكان أوسع منه أفقا وأعمق تفكيرا، وإن لم يعن كما عني بيكون بالتفلسف النظري.