آمن المسلمون بهذا المبدأ وجعلوه شعارا لهم في أبحاثهم العلمية، فكان منهجهم يتسم بالتجريبية العلمية.. ولا بد هنا أن أعرج على فكرة ضالة استحكمت بعقول كثير من المفكرين مستشرقين منهم وغير مستشرقين وهي أن البحث العلمي على الطريقة العلمية الحديثة لم تظهر معالمه في تاريخ التطور الفكري إلا بعد عصر النهضة في أوروبا. وينسب الفضل في نشوء طريقة البحث العلمي الحديث إلى فرنسيس بيكون الذي عاش ما بين (١٥٦١-١٦٢٦م) . وقد تكفل بدحض هذا الزعم نزيه من نزهاء الغرب (والفضل ما اعترفت به النزهاء) وهو بريفولت في كتابه بناء الإنسانية. حيث يقول:"إن ما يدين به علمنا لعلم العرب ليس هو ما قدموه لنا من اكتشافهم لنظريات مبتكرة.. بل أنه يدين لهم بوجوده.. فقد أبدع اليونان المذاهب وعمموا الأحكام ولكن طرق البحث وجمع المعرفة الوضعية وتركيزها، ومناهج العلم الدقيقة والملاحظة العميقة والبحث التجريبي كانت كلها غريبة عن المزاج اليوناني.. إن ما ندعوه بالعلم ظهر في أوروبا كنتيجة لروح جديدة في البحث وهي الروح العربية"[٤] .
ويجدر بنا الآن أن نتعرض بإيجاز إلى خصائص المنهج الحديث، وإلى استعراض منهج أحد علماء الإسلام في البحث وذلك حتى نتبين هل أن المنهجين متفقان أو مختلفان.
أ - خصائص المنهج الحديث:
يبتدئ البحث الحديث بمشاهدة الأمور الطبيعية على ما هي عليه في الواقع. ويلي ذلك جمع الحقائق المشاهدة وتبويبها وترتيبها لا لمجرد التبويب والجمع والترتيب وإنما للبحث والتمحيص عن علاقة تربط بين الحقائق العلمية. وقد نسميها قانونا طبيعيا، وقد نسميها نظرية علمية.