للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإنه لما كان الإسلام معنيا بتوفير الحياة الكريمة والعيش المطمئن لكل الناس. كان لا بد من حماية الفضيلة بالقضاء على الرذيلة والفساد، وكل ما من شأنه أن يدنس واجهة الجماعة التي أراد لها الإسلام: أن تكون نقية ناصعة. والغاية السليمة تبرر الوسيلة الحازمة ولو كانت شديدة قاسية. لأن القسوة ليست شرا في كل أحوالها. فإن من لا يراعي مصلحة الآخرين، ليس له أن يطمع في أن تراعى مصلحته ومن لا يرحم الناس لا يرحمه الشرع [٤] . لأن في الرحمة بالجاني – حينئذ – قسوة على المجتمع. والعدل كل العدل في أن يعاقب من يستحق العذاب وليس أجدر بالعقاب، من ذلك النوع من المجرمين الذين تقتضي طبيعة جرائمهم أن تتم في الخفاء – كالسرقة – لما في خفائها من رهبة شديدة في نفوس الناس. وقد بين الله – سبحانه وتعالى – سببين للشدة، في عقوبة السرقة. فقال: {جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً} [٥] .

معنى الجزاء

أما الجزاء فمعناه أن العقوبة مكافئة للجريمة مساوية لها، موافقة لآثارها: أي أن العقوبة: إنما هي على الجريمة بكل الآثار الناتجة عنها، والأضرار المترتبة عليها مما لا يقف عند حد أخذ المال المسروق. بل يتعدى ذلك إلى ما تحدثه السرقة من ترويع وإفزاع. وليس أدل على ذلك من حادثة سرقة واحدة، تقع في حي، أو قرية، نرى معها أي ذعر يعيش فيه الناس، لما أصبح معلوما: أن السارق لا يتورع عن اقتراف كل ما يخطر له في سبيل تحقيق مأربه. حتى أصبحت حوادث القتل لأجل السرقة من المألوف الشائع. فإن طبيعة السارق موسومة بالشراهة والنهم. وليس بين السارق وبين الناس إلا ما بين الذئب وفريسته. لا يهمه منها إلا نهشها من أي طرف.

فمن أجل هذه النتائج المفزعة، كانت الشدة في العقوبة. لأن الشارع بين أمرين: إما أن يردع الآثم، وإما أن يفزع الآمن، وليس من عدل الله ورحمته إلا ردع الآثم وزجره. بعقوبة تكافئ جرمه، نالها جزاء لذلك الجرم.