فإذا سرق السارق في هذه الحالة خرج عن مدلول قوله تعالى:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} وإلى هذا أشار أمير المؤمنين حين قال لحاطب بن أبي بلتعة: "إنكم تستعملونهم وتجيعونهم.. حتى أن أحدهم لو أكل ما حرم الله عليه حل له"فهل من قواعد الشريعة الإسلامية: أن تقطع أيديهم بعد ذاك؟ والضرورات تبيح المحظورات. ثم إن شبهة الضرورة في هذا المكان أقوى من كثير من الشبه التي جعلها الفقهاء سببا لدرء الحد. مثل كون المال المسروق مما يتسارع إليه الفساد، أو ادعاء السارق ملكية الشيء المسروق دون حجة قائمة، وغير ذلك من الشبه الضعيفة التي لا تعد شيئاً إلى جانب هذه الشبهة القوية التي ألجأت الإمام العادل إلى درء القطع عن غلمان حاطب [٣٧] . لولا ذلك لقطعهم. كما صرح هو بذلك حين قال:"لولا أعلم أنكم تجيعوهم لقطعت أيديهم". لأن الجائع مأخوذ مأذون له في مغالبة صاحب المال على أخذ ما يسد به رمقه ويحفظ عليه الحياة.
ثم إنه على فرض التسليم: بأن ما فعله عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- كان تغيير للحكم، وإسقاطا للعقوبة. فليس فيه دليل على جواز ذلك. لأنه ليس فيمن دون رسول الله –صلى الله عليه وسلم- حجة. وهذا أصل يقره عمر بن الخطاب نفسه فيما رواه ابن وهب عن يونس ابن يزيد عن ابن شهاب، أن عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- قال: وهو على المنبر: "يا أيها الناس، إن الرأي: إنما كان من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مصيبا، إن الله كان يريه. وإنما هو منا الظن والتكلف"[٣٨] .
ومن ذلك ما أخرجه البيهقي، من طريق الثوري بالسند إلى مسروق، قال: كتب كاتب لعمر بن الخطاب، فذكر في آخر كتابه:"هذا ما أرى الله، أمير المؤمنين عمر. فانتهزه وقال: لا. بل أكتب: هذا ما رأى عمر. فإن كان صوابا: فمن الله، وإن كان خطأ فمن عمر"[٣٩] .
ويقول –رضي الله عنه-: "السنة ما سنه الله ورسوله –صلى الله عليه وسلم- ولا تجعلوا خطأ الرأي سنة للأمة"[٤٠] .