خامسا: أما قولهم: "إن التشريع الذي تلائم أحكامه أمة ويتفق ومصالحها قد لا تلائم أحكامه أمة أخرى ويعارض مصالحها"فهذا ما نستعيذ بالله من شر خطراته على الذهن. فإن هذه السمة، إن انطبقت على أحكام الشرائع الوضعية التي جبلت بضعف البشر، وقصر النظر، وضيق المدارك، فإنها أبعد ما تكون عن شريعة الله التي أحكم نسجها، وشهد بكمالها فقال [٤١] : {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} وأقرها لكل زمان ومكان فقال –مخاطبا رسوله الكريم-[٤٢] : {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ} .
وإن من أبسط الفروق بين الشرائع السماوية والوضعية هو [٤٣] : "أن التشريع السماوي من الله سبحانه وتعالى، وهو محيط بكل ما دق وخفي من شئون عباده. يكون مستوفيا لما يعنيهم من وجوه المصالح التي يعلمها الله لهم حتى ينتهي الأمد الذي قدر لهذا التشريع بخلاف النظام الوضعي. فإنه من عمل الواضعين من ذوي السلطة في الجماعة. وليس من شك في أن الواضع يتأثر في تكوينه وفي عمله بالعوامل الاجتماعية، كالعرف والعادة والبيئة. وأن تلك العوامل عرضة للتغيير. فلا يكون القانون الذي وضعه الواضع في هذه الحالة ملائما لحالة أخرى".
والله -سبحانه وتعالى –حينما حكم بالقطع على السارق: لم يكن ليخفى على علمه، ما سوف يستجد من اختلاف الظروف والأحوال، ولو شاء لغير عقوبة القطع بعقوبة أخرى.
أما وقد تم التشريع الإسلامي، وأكمل الله دينه –وعقوبة السرقة على حالها- فليس لا حد: أن يدعي أنه يعلم من وجوه المصلحة ما غاب عن علم الله –تنزه ذكره- ومن شقي بادعاء ذلك فليسمع قوله تعالى [٤٤] : {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} .