ولقد حرص رسول الإسلام –صلى الله عليه وسلم- على بقاء هذا الشعار واضحا متجردا، وحذر مما وقع فيه أتباع الديانات السابقة من خلط وتلبيس، ومن تحريف وتدليس. ونادى بتجريد فكرة التوحيد من كل ما يوحي بالشرك، بل نادى بالابتعاد عما يوهم به، ولو كان هذا الإيهام في المظهر أو في المخبر، في الصورة أو في الحقيقة، في العبادة أو الحياة الفردية أو الحياة العامة.
وضمن هذه العقيدة الواضحة تقررت العلاقة المباشرة بين الفرد وخالقه. فهو لا يحتاج في استقبالها إلى وسيط، ولا يتوقف فهمها على سدنة أو أحبار. وإنما مجرد دعاء صادر من الأعماق يردد.
لا إله إلا الله محمد رسول الله.
وضمن هذا الوضوح البالغ تقرر بالأصالة تحرير الفرد من سلطة الكهنة، وتحريره من التبعية للأحبار أو الرهبان ... ويستطيع كل ذي سمع أن يسمع (الشعار) أو يفهمه ويرتضيه دينا له، ويباشر عبادته مع ربه ومولاه.
وكما حرر الإسلام عقيدة الفرد، حرر حياته ووجوده، فهو خليفة الله في الأرض يتحمل المسئولية، ويشارك في مهام الوجود في الدائرة التي هيئ لها، فهو راع، وكل راع مسئول عن رعيته. وأمام توزيع المسئولية على الجميع بلا استثناء أصبح الكل سواسية بلا استثناء، وإنما الخلاف فقط في نوع المسئولية، والخلاف في اختلاف مواقع المسئولية. ولكن الكل محاسب والكل يتحمل واجبات معينة أمام المجتمع الإسلامي العام، والكل مسئول.
وتجاه هذه المسئولية وأمام هذه المساواة، فلكل فرد حقوقه الذاتية، فهو حر في تكوين منزلة، حر في اختيار العمل الذي يزاوله، حر في كسب عيشه. وقد صان الإسلام هذه الحرية فلا يصح لأي سلطة التدخل في هذه الحرية إلا بحق توجه عليه أو بواجب لزمه.