وهذا زَعْمٌ ظاهره سلم وبر، وباطنه قطيعةٌ بيننا وبين لغة القرآن, قطيعة بيننا وبين هذا التراث الضخم الذي جاءنا بهذه اللغة المتحركة الأواخر, والويل لنا ولهذه اللغة، إن استقام لهم هذا الدرب الذي يسلكون..
إنه لن يمضي جيل أو جيلان حتى يكون هذا القرآن عجمة في الآذان وحبسة في اللسان!! ويضيع معه هذا التراث العلمي والأدبي ضياعا ليس منه عوض.
وإلى جانب هذا الضياع لن يكون لهذه اللغة طواعية في التعبير وتلوين الجمل، وتغيير التركيب، وفق ما تتطلبه المعاني، وتقتضيه الأحوال، فهذه الحركات المتغيرة في أواخر الكلمات هي المعالم الهادية في كثير من الجمل إلى دقيق المعاني، ولطائف البلاغة.
أما الأوزان الشعرية وبحور أستاذك الخليل، فسلام عليها إلى يوم الدين, سلام على أنغامها الحلوة, وجرسها الساحر، وموسيقاها التي تهز المشاعر.
معذرة يا أبا بشر، لقد نقلت لك شيئاً من لغو هذا الناس في هذه الدنيا وأنت في دار لا لغو فيها ولا تأثيم، ولكن ماذا نفعل وقد أصابتنا المصائب من كل جانب، وبلغت بنا المدى الذي ينبغي أن يقلق له الأحياء والأموات جميعا.
كنت أودّ أن تكون رسالة - وهي أول رسالة أكتبها إليك- أن تكون رسالة مودة في الله, وصلة رحم في النحو، وقربى زمالة في التعليم، ولكن في نفسي تساؤلات شتى عن حياتك تلحّ عليّ فلا أستطيع دفعا لهذا الإلحاح، وتجمح بي فلا أستطيع كبحا لهذا الجماح.
لقد زرت دنيانا هذه أول مرة في القرية الكبيرة المسماة بالبيضاء من مقاطعة شيراز في بلاد الفارس، ولكن التاريخ لم يحفظ موعد هذه الزيارة، وقلما كان الناس في القديم يحفظون.
غير أنهم حفظوا أنّ أمّك كانت حفيةً بهذا اللقاء، وأنها كانت ترقصك طفلاً صغيراً وهي تقول:"سيبويه سيبويه، سيبويه سيبويه".