ولعل أمك لم تجد ألفاظا ترقصك بها غير هذه الألفاظ، فهي أخفّ نطقاً على اللسان، وأعذب جرسا في الآذان, إنها أم فارسية كما كان أبوك فلا عجب أن تختار هذه الألفاظ الفارسية, لقد وجدت فيها رائحة التفاح، فأخذت ترقصك بها وتناديك.. وكل الأمهات يجدن في أولادهن رائحة طيبة، ويخترن كلمات وموسيقى عذبة يرقصن بها أولادهن، غير أن هذا اللفظ الذي اختارته أمك سجل عليك مدى التاريخ، وتغلّب على عمرو وهو اسمك الذي اختاره لك أبوك عثمان بن قنبر.
لقد أراد بك الأهل خيرا حين بعثوا بك مع الصبيان إلى مسجد القرية تتعلم الدين، ولغة الإسلام والحكام والحياة، وأغلب الظن أنه لم يدر في خلدهم ولا خلد أهل الأرض جميعا أنك على الدرب إلى ذروة العلم والمجد.
أيّ شيء بعد هذا حملك على الترحل عن قريتك الخصيبة الممرعة تاركا فيها ملاعب الصبا؟! ومدارج الطفولة، وأتراب اللهو, وأنس الأهل ولقاء ذوي القربى.
أيّ شيء لك في البصرة فتشد إليها الرحال؟ أتوسّم فيك معلم القرية مخايل النبوغ فزيّن لك الذهاب إلى البصرة؟! أكان بينك وبين زملائك الغيرة والمنافسة؟ فأنت تطلب طريق التفوق أم أنك خلقت طموحاً ولم يعد في القرية متسع لهذا الطموح؟!
كيف طابت نفس أمك بهذا الفراق وأنت لا تزال حدثا لين العود لم تبلغ سن الرشد بعد؟! أكان أبوك لايزال يعيش في دنياك؟ فوقف إلى جانبك وأرسل معك أخاك يعينك، أكانت الأسرة على حظ وافر من الثراء والمال؟ فهي ترفدك من حين إلى حين بما تشاء من مال ورزق.