أرجو ألا تستصغر شأني، أو تهمل ما أدعوك إليه، حين ترى رسالتي هذه قد جاءتك حقائق عارية من حلل الفصاحة والبلاغة، خالية من زخرف القول ومكذوب الوداد، فنحن - معاشر الفيران- قد ابتلينا بشتى المصائب، ولعل أعظمها أن الله لم يهب لنا فصاحة نملك بها الأسماع، ونختلب العواطف، ونستهوي الأنفس، ونلبس الحق بالباطل، ألا ترى إلى الفأر منا يسرق قطعة الجبن، أو لقمة الخبز يدفع بها عادية الجوع، فإذا هي سرقة ملء السمع والبصر، نذوق بها الموت وعذاب الحريق، ويسرق ابن آدم _ وهو المتخم _ سرقاته الكبر فيسميها أسماء شتى، ولكن ليس بين هذه الأسماء وبين السرقة نسب، ثم لا يلحق به عاب، ولا يأخذه عقاب أو عذاب.
ولي بعد هذا أصدق العذر ألاّ أبعد في هذه الرسالة وأطيل، وفيما قلته غناء وكفاية، وفيما أتوقعه من سداد رأيك في الأمور، وحسن تبصرك في العواقب ما يرأب الصدع، وينزع غلا في القلوب طال عليه الأمد.
وفي نهاية هذه الرسالة أود أن أقول: إن هذه المسالمة التي ندعوك إليها ليست عن قلة ولا ذلة ولا ضعف، فنحن - معاشر الفيران- أشد منكم خطرا، وأوسع نفوذا في الأرض، وأقدر على أن نكثر فيها الفساد، لا أقول هذا تهديدا ووعيدا، معاذ الله فنحن ننتظر منك مكرمة تطوق أعناقنا بالجميل، وتلهج ألسنتنا بالشكر الجزيل، وتغرس في قلوب صغارنا والكبار كل احترام لك وتجله.