الأمانة، والإخلاص، والوفاء، والاستقامة، والمروءة، والامتيازات الفردية والجماعية، والعقائد الموروثة, والأمجاد الأثيلة، والأنساب العريقة, كل هذا وأمثاله - مما كان يؤمن به الآباء والأجداد ويحافظون عليه كل الحفاظ - قد ذهب فلا رجعة، وأمسى في هذا العالم كهذه الأزهار الصناعية التي تراها في غرفة الاستقبال من هذه الدار، ليس فيها حياة ترقص بها في الجو، وتميس بها فوق الأرض، وتنطق بجماله صنع الله، ليس فيها رائحة تفغم الأنوف، وتنعش الأنفس، وتثير الحياة، إنها مظهر جذاب، ومنظر خلاب، يخادع به الناس بعضهم بعضا وهم يعلمون.
وأنا لم أقل لك ما قلت، ولا ضربت لك تلك الأمثال، إلا لأبين لك كيف يعيش الأحياء من الناس على الأرض في هذه الأيام، لا تكاد تربطهم رابطة من دين، أو خلق، أو جنس وإنما هي المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة، لماذا لا نأخذ بهذا المبدأ ونسير على هذا الطريق ونحيا حياة مسالمة ودعة ينعم فيها الطرفان، ويتفيأ ظلالها القطط والفيران..
وهل هناك حياة أمتع وأروع من حياة السلم والسكينة، والأمن والطمأنينة، مع راحة وهناء، وطعام دون عناء.
علام هذا الخصام بين مخلوقات الله في لقمة خبز، وجرعة ماء.. لو تراضى الخلق بالمساواة وأخذ كل مخلوق ما كفاه، لعاشوا جميعا عيشة هادئة وادعة، لا قلق فيها ولا اضطراب، ولا دماء ولا حراب.
لا تفكر في الماضي، فالماضي مليء بالأحقاد والترات، زاخر بالعداوات والذكريات، فكر فيما نحن فيه، وما أنت عليه، ودع عنك ماضيا سحيقا سحقته السنين والقرون.