والعاقل من اتعظ بغيره، وحاد عن طريق هلك فيها السالكون من قبل، فإياك والغرور، وإياك أن تعمى عن شيخوخة باردة ستدركك يوما ما، فلا تجد فيها عاطفا ولا نصيرا، خير لك أن تمد إلينا يدك اليوم، لنمد إليك أيدينا في المستقبل.
نعم, إنه لأمر جديد هذا الذي ندعوك إليه، وهو على خلاف عادتك وإلفك، وربما عظم على نفسك وأصابك من ارتكابه حسرة وألم، ولكنك بعد طول معاودة ومعاناة ستطيب نفسا، وتهدأ قلبا، وتستمرئ هذه الحياة السهلة, وهذا الرزق الذي يأتيك رغدا دون أن تبذل في سبيله جهدا أو تجد من ورائه نصبا.
انظر إلى هذه الخادم التي تشاركنا الحياة في هذا البيت, يعطيها أهله الأجر، ويشركونها في طعام وشراب ثم هي لا تتذمم أن تسرق السكر والشاي والخبز والجبن والأرز كلما آنست من أهله طمأنينة، أو كانوا عنها في شغل، على حين أنها من أمة جاءها المرسلون، وبعث فيها النبيون، وتوالت فيها النذر، وضربت لها الأمثال.
كم وقف على أبواب هذه الدار التي دافعتنا أمك عن خيراتها وذادتنا عن حماها، ثم هاأنت ذا من بعدها تذود وتدافع، كم وقف على أبوابها أناس أكلهم الجوع وشربهم الظمأ، فما نالوا منها بلالة حلق، ولا بلالة معدة، ولقد سمعت أنت ورأيت كما كنت أنا أسمع وأرى، كيف كان الرد خشنا، وكيف كان الجواب غليظا، وفي الدار رزقها المغدق، وفيها ماؤها المتدفق.
ولعلك لا تزال تذكر ما حدث منذ أسبوعين حين كرمت هذه الدار بعض ذوي الحول والطول من رجالات هذا البلد، أرأيت كيف ضاقت الدار على رحبها بأصحاب اليسار والموظفين الكبار.. أرأيت كيف كان الطعام غنيا، شهيا، سخيا، ملأ العيون وأوفى على البطون، وجاوز الظنون، على حين أن أصحاب الطعام لا يكنون لمن دعوهم ودا، ولا يحفظون لهم عهدا، وإنما يرجون من وراء ذلك جلب مصلحة أو دفع أذى.