إننا _ فيران هذا البيت _ نستطيع أن نقدم إليك الكثير من طعامك وشرابك، فنوفر لك الشحم واللحم، والبيض والجبن، والحليب واللبن, وأشياء أخرى كثيرة أنت لا تدريها، وكل ما نرجوه منك أن تكف عنا شرك، وأن تكفينا مؤونة حربك.
الطعام في هذا البيت كثير، والفناء واسع كبير، فماذا يضيرك أنت أن نأكل منه جميعا، ونعيش فيه آمنين مطمئنين على غير خوف وقلق دون أن تجلس لنا كل مرصد، وأن تنغص علينا حياتنا ليل نهار.
إننا لا نذوق النوم إلا غرارا، ولا نعرف المراح واللعب إلا خلسة.
لا نريد أن تقع بيننا العداوة والبغضاء كما كانت من قبل بيننا وبين والدتك التي ماتت محرومة جائعة مهملة، وإننا لنخشى عليك أن تلاقي ذلك المصير الحزين الذي لاقته أمك من قبل، بعد أن بذلت كل ما تستطيع من جهد وسهر في رعاية هذا البيت.. والحفاظ على ما فيه.
لقد تغير العالم هذه الأيام، وأخذت تخفق على ربوعه رايات السلام، هاهي ذي الشعوب والأجناس على اختلاف أوطانها وألوانها في جميع بقاع الأرض تتنادى إلى تعايش سلمي وتفاهم أخوي، أفلا نكون نحن أولى بهذا منها ونحن نعيش في بيت واحد وتحت سقف واحد ونأكل من مائدة واحدة.
لقد دعا آبائي وأجدادي والدتك إلى هذا الذي أدعوك إليه، ولكن والدتك- رحمها الله - كانت فطيرة الرأي، قليلة التجربة، تدور في رأسها حميا الغرور، ويملأ صدرها أحلام الشباب فصمت أذنيها عن تلك الدعوة، وأبت أن تجيب ذلك النداء، ولو أنها في أخريات أيامها استقبلت من أمرها ما استدبرت لتغير الموقف، فوصلت حبالا كانت قطعتها، ولبت دعوة كانت رفضتها، وإني لعلى ثقة أن الندم كان يأكلها أكلا، حين أمست في شيخوختها عاجزة عن الصيد لا تستطيع لحاقا بالفريسة.