للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سراح جميل، وعود إلى الحياة الأولى، وسهر الليل، ودأب في النهار، ويستوي هذا الكتاب الذي أنقذت فيه ما كان طي الرماد وتركته للناس بلا تسمية فغلب عليه اسم (الكتاب) .

لماذا ضاقت بك الحياة في البصرة واعتزمت الذهاب إلى بغداد؟! أمللت التدريس وحياة المدرسين؟! ألم يعد في البصرة أمثال الخليل تفيد منه؟ أضاقت بك سبل العيش وصفرت يداك من المال؟! ألم تعد البصرة تتسع لشهرتك وطموحك؟ أم كان الأمر كما قال أبو تمام:

وطول مقام المرء في الحي مخلق

لديباجتيه فاغترب تجدد

يخيّل إليّ أن طموح كان أبرز هذه الأشياء جميعا.

ها أنت ذا في بغداد، تفد على يحيي بن خالد بن برمك، وتطلب إليه أن يجمع بينك وبين الكسائي، ويحاول أن يثنيك وهو يقول: "لا تفعل فإنه شيخ مدينة السلام وقارئها، ومؤدب ولد أمير المؤمنين, وكلٌّ من في المصر له أو عليه", فتأبى ذلك.

لم يكن سهلا على الكسائي أن تنتزع منه ثقة الخليفة الرشيدة، وهيهات أن تطيب نفسه بالتخلي عن زعامة النحو في عاصمة الخلافة، ثم كيف تطوي هذه الشهرة التي طارت له في كل مكان؟ أرأيت كيف احتال لنفسه فأرسل إليك في يوم مشهود أصحابه وتلاميذه؟ يسألونك أشتاتا من الأسئلة ويكثرون، ليلقوا عليك الوهن ويجلبوا على نفسك الهم.