أعدت إلى المنزل ذات ليلة من صلاة العشاء في مسجد البصرة فضاقت بك الغرفة التي وسعتك سنوات طويلات؟ ثم لم تجد شهوة إلى طعام ولا رغبة في الدراسة, فأويت إلى الفراش لتجد الراحة ولكن الفراش نبا بجنبيك، وأقضت أحاديث النفس عليك المضاجع بماذا حدثتك النفس يا ترى؟! وكيف استلبت النوم من عينيك؟؟ أكانت تقول لك: ها أنت ذا قد ملأت الفراغ المسجد، فمن لهذا الفراغ في البيت، هذا الطعام وترتيب أشياء هذه الغرفة يأكلان الوقت أكلاً لماً.
وها هي ذي الكهولة قد وفدت عليك والكهولة عمرها قصير وليس بعد الخريف إلاّ الشتاء، ألام تضل بلا زوجة تخفف عنك العناء كله؟؟ وتكون سكنا إذا أقبل الليل، وعوناً على العيش إذا أقبل النهار، هذه الجذاذات لا تزال مبعثرة في زوايا الغرفة، ألام تظل ركاما لا ينفع الناس؟!
وتغدو إلى المسجد ذات صباح, وقد أشرق وجهك بالبشر، وبرقت عيناك بالفرح، وعلا شفتيك ابتسام الرضا، ويبارك الطلاب زواجك، وتعود إلى حياة حلقتك إلى ما كان عليه من قبل أو أشد.
ولكن الحياة في البيت لم تمض طويلا عل النهج الذي قدرت، فقد دبّت العداوة والبغضاء بين الجارية التي تزوجتها وبين هذه الكتب التي ملأت عليك وعليها الغرفة, هي تريدك أن تكون خالصا لها, وأنت تريد أن تكون خالصاً لهذه الكتب.
أتُراك أنصفتها يا سيبويه؟! وأحسنت عشرتها كما كنت تحسن عشرة الكتب أم تُراك ملت مع كتبك كل الميل؟! وتركتها تحترق في نار الغيرة.
أيّ داع دعاك إلى السوق لتعود إلى البيت فتجد سماءه دخاناً تضيئه ألسنة اللهب؟! لم تعد هذه الزوجة الصغيرة الحمقاء تطيق صبرا، فألقت بين هذه الكتب والجذاذت جذوة من نار، وتركتها تحور رمادا، ليتني كنت معك يا سيبويه فأنقذ الشيء الكثير من إملاءات الخليل, وليتني كنت معك فأسعفك وقد وقعت مغشيا عليك.