ونحن الشيوخ نعصر أفكارنا وعقولنا وقلوبنا لنعطيكم تجاربنا صافية طيبة خالصة نقية، وما نقدّمه لكم قد يكون حصيلة لتجارب طويلة، ولألام اكتوينا بها، ثم ها نحن اليوم نريد لأبنائنا أن يبتعدوا عن الخطأ، وأن يمضوا في الطريق بلا التفات لليمين أو لليسار، وإنما على الطريق المستقيم طريق الذين أنعم الله عليهم والذين هداهم الله.
وأنا أنظر الآن إلى حفنة من أدباء مصر في مطلع القرن العشرين وقد انتفخت أوداجهم وظنوا أنفسهم على شيء، وتجمّعوا ليصفقوا لموكب ما سموه بالحضارة الجديدة والعلم الحديث، منبهرين بكل وافد، معجبين بكل جديد، بدون فحص أو تمييز، وبدون روية أو تفكير، وأنظر إليهم الآن.. وقد عصرهم الزمن، وأقنعنهم التجارب، وعادوا من حيث بدأوا مع التفكير الهادئ.. ثم تابوا واستغفروا، وتراجعوا وفكروا.. وأستطيع أن أعدهم واحدا، وما منهم إلا نقض ما قال أو ناقضه بما كتب في تمجيد الإسلام وتقديس الفكرة الإسلامية والدعوة المحمدية، وبعضهم كتب أروع ما كتب في حياته عن (الشخصيات الإسلامية) بإيمان واقتناع وتكريم وتمجيد، وبعضهم نشر بحوثا متتابعة تشرح الاتجاهات الإسلامية وتدفع ما عداها، وأحدهم ما زال على قيد الحياة ويجتمع حوله علية القوم في بيته، ويجري الحوار والنقاش فيه حول الأدب والعلم والحياة، ثم يقول أحد المتحدثين رأيا له في قضية معروضة، ولكن آخر يستشهد في القضية بآية قرآنية فيحاول المتحدث أن يناقش الآية، ولكن صاحب البيت الأديب الكبير يقول في إيمان وعمق:"إذا قال القرآن فلا رأي لأحد".
ومن هنا ندرك أن الإسلام حقيقة أصيلة ذات طبيعة نفسية تزداد بالتفكير قوة وبهاء، وتعظم بالبحث وتتجلى أسرارها، والذين يغلقون عيونهم عن الحقيقة ساعة فإنهم يعودون إليها إلى الأبد، والذين يتخبطون في متاهات الشك والحيرة يطلع عليهم بعد حين فجر الإسلام فيهديهم.