الثاني: إذا ظهرت آثار الخيانة وثبتت دلائلها وجب نبذ العهد لئلا يوقع التمادي عليه في الهلكة وجاز إسقاط اليقين هنا ضرورة، وأما إذا علم اليقين فيستغنى عنه نبذ العهد إليهم وقد سار النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل مكة لما اشتهر منهم نقض العهد من غير أن ينبذ إليهم".
ومن ذلك يتبين لنا أن المسلمين مطالبون بالوفاء بعهودهم إلاّ إذا نقض العدو عهدهم معهم، ففي هذه الحالة يكون المسلمون مطالبين بقتالهم كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع أهل مكة عندما نقضوا العهد الذي كان بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم فخرج عليه السلام لقتالهم دون أن ينبذ إليهم. وقال عليه الصلاة والسلام وهو في طريقه لقتالهم: "اللهم اقطع خبرنا عنهم" ليفاجئهم.
وأما إذا خاف المسلمون خيانة الآخرين لهم أو ظهر لهم الخيانة فعلاً ولم ينقضوا العهد بعد فلا يجوز قتالهم حتى يخبرهم المسلمون بنبذ عهدهم ونقض ما بينهم من المعاهدات وذلك للابتعاد عن شبهة الخيانة والغدر بالمحاربين مع وجود عهد يقتضي بعدم محاربتهم.
هذا هو حكم الإسلام في المعاهدات التي توقعها الدولة الإسلامية مع الدول الأخرى لحفظ السلام. فنحن مطالبون بالوفاء بها والمحافظة عليها وعدم نقضها إلاّ إذا نقضها العدو، أما إذا لم ينقضها ولم يظاهر على عداء المسلمين فعلى المسلمين الوفاء لهم لقوله سبحانه وتعالى:{إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ} .
فأين ذلك مما تتبعه الدول التي تدعي الحضارة والمدنية في عصرنا الحاضر؟! إنها تخالف القوانين الدولية وتنتهك الحقوق الإنسانية، ولا ترعى عهداً ولا ذمة، وتعتدي على مباديء الحق والعدل والسلام.