للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقول الله سبحانه وتعالى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ} . قال أبو بكر الجصاص في تفسير هذه الآية: "يعني والله أعلم إذا خفت غدرهم وخدعتهم بالمسلمين وفعلوا ذلك خفياً ولم يظهروا نقض العهد فانبذ إليهم على سواء، يعني ألق إليهم فسخ ما بينك وبينهم من العهد والهدنة حتى يستوي الجميع في معرفة ذلك وهو معنى قوله: {عَلَى سَوَاءٍ} لئلا يتوهموا أنك نقضت العهد بنصب الحرب".

ويقول الجصاص أيضاً: "وقد غزا النبي صلى الله عليه وسلم أهل مكة بعد الهدنة من غير أن ينبذ إليهم لأنه قد كانوا نقضوا العهد بمعاونتهم بني كنانة على قتل خزاعة وكانت حلفاء للنبي صلى الله عليه وسلم ولذلك جاء أبو سفيان على المدينة يسأل النبي صلى الله عليه وسلم تجديد العهد بينه وبين قريش فلم يجبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك فمن أجل ذلك لم يحتج إلى النبذ إليهم إذ كانوا قد أظهروا نقض العهد بنصب الحرب لحلفاء النبي صلى الله عليه وسلم فعلم من هذا أن النبذ لا يكون إلاّ عند خوف الخيانة والغدر من العدو أما عند نقض العدو بالفعل العهد الذي بيننا وبينه فإننا لا نحتاج إلى النبذ قبل محاربته بل لنا أن نغزوه بدون نبذ كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع قريش حين سار إليهم لفتح مكة فإنه لم ينبذ إليهم".

وقال ابن العربي في نفس الموضوع: "كيف يجوز نقض العهد مع خوف الخيانة والخوف ظن لا يقين معه، فكيف يسقط يقين العهد مع ظن الخيانة فالجواب من وجهين:

أحدهما: أن الخوف قد يأتي بمعنى اليقين كما قد يأتي الرجاء بمعنى العلم قال الله تعالى: {مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً} .