ومثل البيع على البيع الشراء على الشراء.. والصورتان اللتان في البيع تأتيان أيضاً في الشراء على الشراء بأن يذهب رجل إلى بائع في مدة الخيار ويقول له: إن الثمن الذي بعت به رخيص وأنا أشتري منك بأكثر أو عندي مشتر بأكثر، أو يقف رجل يرقب بيع رجلين فيعرض على البائع أكثر مما يعرضه المشتري أو يقول له عندي مشتر بأكثر فيمتنع البائع عن البيع، وقد يؤدي هذا إلى العناد أيضاً بين المشتريين، فيظل كل منهما يزيد في الثمن حتى يتجاوز ثمنه الأصلي، إلى أن يكف أحدهما عن الزيادة أو يتشاجرا شجاراً تكون آخرته جريمة وقد عرف الشرع الحكيم ما يترتب على بيع الرجل على بيع أخيه وشرائه على شرائه فنهى عن ذلك، وحث المسلمين على حب بعضهم لبعض، وبعدهم عما يسبب الشحناء والبغضاء. وحكم البيع مع ذلك أنه صحيح، ولكن يحرم على من باع على البيع أو اشترى على الشراء ويكفيه أنه باع رضى الله بثمن بخس.
أما الثاني: فهو أن يخطب الرجل على خطبة أخيه قبل أن يكف الخاطب الأول نظره عن خطبته، أو يسمح لأخيه ويتنازل له عنها، ومسألة الخطبة والزواج تأتي في الدرجة الثانية بعد تحصيل الرزق، لأن متعة الرجل وسعادته في زوجته، فإذا اختارها كما يحب وتجمعت فيها الصفات التي تحبها نفسه ويهيئها له خياله كان سعيداً في حياته مسروراً في صباحه ومسائه، مطمئناً في غدوه ورواحه، ولما كانت مسألة الخطبة والزواج فوق أنها سبب السعادة والاطمئنان تمس ناحية حساسة من الإنسان، إذ يعتقد إذا رفض طلبه في خطبة أو زواج أنه طعن في رجولته، وأنه ليس له من القيمة ما يسمح لولي الزوجة بإجابة رغبته، ولا سيما إذا أجيبت رغبة غيره، فإن ذلك يحز في نفسه وقد يرى أنه ليس أهلاً للحياة فيقدم على الانتحار، أو يقتل من اعتدى عليه في رجولته، وكدر عليه صفوة عيشه أو يتلف زرعه أو ماشيته، أو يسلط اللصوص على ماله، إلى غير ذلك من الجرائم التي فشت هذه الأيام.