للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وصور الخطبة على الخطبة كثيرة: فمن ذلك أن يذهب رجل يطلب يد فتاة، فيأتي آخر أغنى منه أو أرفع منه شأناً ومنزلة في المجتمع بسبب علم أو نسب أو قرابة لحاكم فيطلب يدها قبل أن يكف الأول، فيميل أهل الفتاة إلى الثاني ويرفضون الأول.

ومنها أن يتقدم رجل إلى أسرة فتاة وترضى به زوجاً لفتاتها وربما يدفع شيئاً من المال (شبكة) ويقدر المهر، فيأتي رجل مثل الخاطب أو أقل منه مالاً ونسباً وعلماً وغير ذلك، فيعرض (شبكة) أغلى ومهراً أكثر وقد تكون أسرة الفتاة تؤثر المادة أو واقعة في أزمة مالية، فتفضل الخطيب الأخير، وليس ذلك كل ما يحدث بل قد يكتب العقد ويختلط الرجل بالفتاة وبأسرتها فيأتي بعد ذلك خاطب جديد أفضل من الأول، فتحتال الفتاة وأسرتها في مضايقة الزوج حتى يطلقها ويظفر بها الخاطب الأفضل، وهذا مما يغرس العداوة في النفوس.

والحكم الشرعي أن النكاح ينعقد للثاني، ولكن يحرم عليه ويعاقب بفعله في الآخرة، متى كان عالماً بخطبة الأول ورضا الأسرة به، أما إذا كان لم يعلم أو علم أنه خطب ولكنه رد ولم تقبله الأسرة فلا إثم عليه حينئذ، هذا هو رأي جماعة الفقهاء وهو المعول عليه، ولكن الظاهرية قالوا: يفسخ نكاح الثاني ولا يبرم أخذاً بظاهر الحديث.

بقيت مسألة تتعلق بهذا البحث هي: هل النهي في الحديث عام أو خاص؟ بمعنى هل تحرم خطبة كل رجل على خطبة كل رجل، فتحرم خطبة المؤمن على خطبة البر والفاجر، ولا تحرم إلاّ خطبة الرجل على خطبة أخيه الصالح؟.

اختلف العلماء في ذلك فقال بعضهم: النهي عام، وقال آخرون: النهي خاص، وحجة المخصصين أن الحديث يقول: "على خطبة أخيه" والأخوة بين المؤمن الصالح والفاسق منحلة عراها أو تكاد، فلا إثم في خطبة المؤمن على خطبة الكافر والفاسق.