كيف أطمئن إلى وفائك بما تعد، وأنى لي الثقة بما تدعي وتقول، وأنت الذي تريد أن تقوم العلاقات فيما بيننا على المصالح المشتركة، والمنافع المتبادلة، تلك التي لا ثبات لها ولا استقرار، ولا تكافؤ فيها ولا توازن.
لو ممن يؤمنون بالدين، ويتقون يوماً ترجعون فيه إلى الله، لكان من الممكن أن أجد في كلامك ريح الصدق, وأن أذوق في وعدك طعم الوفاء، ولكنك تجحد الأديان وتنعاها، ولا ترى في الخلق صلاحاً وصالحين، ولا ذوي فضل مختارين، وترى المروءة والوفاء والصدق والأمانة.. أشياء قد ولت مدبرة ولم يبق منها إلاّ أطلال دوارس.
إن أولئك الذين يعيشون في أنفاق خبيئة تحت الأرض، ولا يخرجون منها إلاّ في غسق الليل، لا يستطيعون أن يروا ضوء النهار، ولا أن يحسوا دفء الشمس، ولا أن يتبينوا كم لها فوق هذه الأرض من فضل على الناس، فلا عجب أن تكون أمانيك وأماني أمثالك من القنافذ والمناجذ والخفافيش أن تمضي هذه الحياة الدنيا عبثاً، وألاّ تكون هناك حياة أخرى كل نفس فيها بما كسبت رهينة.
تقول إني لك جار، فإذا كان هناك جوار حقاً، فمن حق هذا الجوار أن أقول لك في صراحة وصدق، خير لك أن ترحل عن هذه الدار إلى دار أخرى، وأن تقيم في بيت غير هذا البيت، أمّا في هذا الدار، فلن يكون لك فيها أمن ولا استقرار، ستقضي ليلك مختلس الرقاد، وستأكل خبزك مأدوماً بالخوف، وأمّا شربك فحسو العصافير المروعة.
كتبت تهددني بقدرتك على الإفساد، وكثرة القبيل والأولاد، ذاك سلاح يخشاه الضعفاء، ويفرق له الرعاديد، أولئك الذين يجعلون أصابعهم في آذانهم عن سماع الحق، ويطبقون شفاههم بأيديهم خشية قول الصدق، ويثنيهم حب السلامة عن الجهاد في سبيل ما يؤمنون به.