كانت سذاجة بلهاء من آبائي الأدنين ألاّ يتدبروا شأن آبائك وأجدادك حين لجأوا إلى هذا المكان وهم شرذمة قليلون، لا حول لهم ولا طول، لقد استهانوا بأمرهم وحقروا شأنهم، وما دروا أن القطرات المتفرقة تصبح سيلاً جارفاً، وأن الشرارة الصغيرة تسمى حريقاً مخيفاً، لقد عاشوا لأنفسهم، وشغلتهم اللذة العابرة والحياة الدنيا عن الرأي الجميع والمصير المشترك، فقضوا حياتهم يتنازعون بينهم، وأيّهم أعز مكاناً وأيّهم أوسع نفوذاً، لقد وجدوا آباؤك وأجدادك الفرصة المواتية في هذا النزاع الطويل والخصام الوبيل، فتكاثروا في ظله واتسعت لهم الأرض، فأوسعوها جحولاً وإنفاقاً، وها أنتم أولاء تتحدثون عن السلم والحرب حديث الأبطال، وأنتم تعلمون أن فيكم ضعفاً، ولا طاقة لكم على القتال، ولكنكم رأيتمونا - معاشر القطط - أشتاتاً لا يجمعنا قلب ولا طريق، فهان أمرنا عليكم وعلى غيركم، ولم نعد في هذا العالم شيئاً مذكوراً.
هبني صالحتك على ما تريد، وتظاهرت لأصحاب البيت بالأمانة والإخلاص، فتربصت بكم خداعاً تربص الحامي الأمين، وطاردتكم كذاباً مطاردة الحارس اليقظ، ثم طرحتم أنتم إلى من يموت فيكم موت شيخوخة أو مرض، فأكلته على مرأى من أصحاب البيت، ولطخت فمي بدمه على مشهد منهم، ثم ظلت خيانتي وخستي وعاري أشياء خافية لا يعلمها الناس، هبني صالحتك على هذا الذي تهوى، ومثلت لك هذا الدور الخادع الذي تريد، وتقبلت أنت وقومك في أعطاف النعيم، فأكلتم من هذا البيت ما طاب، وشربتم فيه ما عذب، ثم تطاول الأمد على ذلك حتى مسني الكبر، ووطئتني الشيخوخة، وأمسيت لا أقدر على العراك القوى والحراك الوحي، أتراك إذا صرت إلى مثل هذه الشيخوخة، أو إلى ما هو أسوأ منها من مرض مقيم، أو عمى مقعد، ولم يعد هناك مصالح مشتركة، ولا منافع متبادلة، أتراك واقفاً مني موقف الشامت الزاري، والضعيف الحاقد، وذي الوتر سنحت له فرصة الدهر فلم يتركها تفلت.