للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وصدر أمر السيد الأيهم إلى الركب بالنزول لقضاء الليل.. ورفعت لأبي حارثة خيمته الخاصة المنسوجة بالوبر والإبريسم، والتي أهديت إليه من قيصر الروم، وتقدم كرز أخوه آخذاً بزمام بغلته إليها، حتى إذا قاربها عثرت بأحد الأوتاد فأهوت قليلاً ثم اعتدلت، ومع عثورها انطلق لسان كرز بكلمة سوء، ترجمت كرهه الشديد لصاحب الرسالة الإسلامية الذي استغرق الكلام عنه وعن دعوته الكثير من حديثهم أثناء الطريق، ولكنه سرعان ما تلقى رد أخيه على قولته بهذه العبارة المثيرة "بل أنت تعست يا كرز بن علقمة!.."وكانت صدمة غير متوقعة لدى كرز، الذي كان على مثل اليقين بأن أخاه الأسقف هذا لن يقبل عنه بغضاً لمحمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.. ولهذا لم يتمالك أن سأله في دهشة بالغة:"ولم يا أخي"؟

ولم يشأ أبو حارثة أن يجيب بشيء قبل أن ينحدر عن بغلته ويستقر على مرتبته، وهناك دعا بأخيه كرز وقال له بمثل الهمس: "والله إنه لنبي الذي كنا ننتظر.."

وأطرق كرز يفكر بما يسمع، ثم رفع رأسه ليقول لأخيه في صوت جاف متهدج خفيض: "النبي.. الذي كنا ننتظر"؟

"- نعم يا كرز..ألا تذكر الوضائع - المخطوطات - التي ورثناها عن كبار الأحبار..أن فيها والله لبشرى عيسى بمحمد.. ووصف مبعثه ومهجره.. وشمائله ودعوته..".

"- إذا كنت تعلم هذا.. فما يمنعك العمل به؟ .. ألست أحق الناس باتباعه وتوجيه رعيتك إلى متابعته "؟

وأمسك الأسقف لا يحير.. ثم أرسل زفرة طويلة أعقبها بقوله الهامس: "يمنعني يا كرز ما صنع بنا هؤلاء القوم. شرفونا ومولونا وأكرمونا وأخدمونا.. وقد أبوا إلاّ مخالفته.. فلو فعلت ما أشرت به نزعوا منا كل ما ترى..".